هذه ليست قصّة واحدة. هي مجموعة قصصٍ عن سهرات قضاها مجموعة «حبّيبة»، يرويها صديق، تارة يكون شاهداً على لحظات الجنون، وتارة مشاركاً فاعلاً فيها. قصص قد تبدو طريفة لمن لم يختبرها، لكنها بالتأكيد مؤلمة لمن يعيشها. هي قصة إدمان تبدأ صدفة
راجانا حمية
غابت ليلى ذلك المساء. يومها كان من المفترض أن تحضر لتروي قصّتها مع المخدّرات. في تلك الأثناء، كانت «الصديقة» غارقة في عالمٍ آخر. عالم مقتول فيه الإحساس بالوقت. بالمكان. بالبشر أنفسهم. باختصار، ليلى «مبنزكة» (مدمنة على تناول حبوب البنزكسول المهدّئة). غابت ليلى. لم تبطل الأمسية. حضر صديق لها ليروي حكايتها ومن يشبهونها من متعاطي الحبوب المهدئة. كيف بدأوا مشوار «الحبحبة»؟ وأين أصبحوا؟ لم يجد الصديق حرجاً في الحديث عن اثنين: ليلى وعلي.
يبدأ القصة الأولى بليلى التي تعلّمت «الحبحبة» في السابعة عشرة من عمرها. أخبرته هي عن الهرب من سجن أمها. عن العيش عند زوج شقيقتها. عن جولات البحث عن عمل مستحيل لفتاة لم تكن تجيد سوى ترتيب المنازل. عن الصديقة التي أعطتها أول حبة «إي» (xtc، وهي قرص مخدر). يحفظ الصديق عن فتاته كل شيء، حتى الشعور الأول الذي اعتراها لحظة تناول حبّة الـ«إي». هو مزيج من الشعور بالهذيان وفقدان السيطرة والهلوسة والجنون. باختصار «مود حلو، مرّة لفوق (up) ومرّة لتحت (down). في لحظات الـ«up»، يعلو منسوب الجنون. يحتاج متعاطي هذا النوع إلى حقنٍ دائم بالصخب والموسيقى. في لحظات الـdown، يهمدون. لا ينتهي مفعول الحبة سريعاً. قد يقضون يوماً كاملاً في نشوة يطفئونها بطرق عدة. واللافت في ذروة النشوة، أن متعاطي هذه الحبة وغيرها من الحبوب المخدرة يكرهون الضوء «تماماً كمتعاطي الكوكايين».
هكذا، هي حياة ليلى. Up وdown. تغزوها بين الحين والآخر موجات من الاكتئاب، التي يصفها الصديق بـ«الموجعة، فلا أحد يعرف هذا الطعم إلا من يعيشها فعلاً».
اكتفت هذه الشابة بتناول الـ«إي» أقله إلى الآن، فيما جرّب علي (وهو اسم مستعار) كل أنواع الحبوب، حتى وصل بعدها إلى «الكوك» (الكوكايين) و«هيرو» (الهيرويين).. حيث لا مجال للعودة أبداً إلى الحياة الطبيعية.
يعيش علي في حيّ اللجا. يقول عنه الصديق إنه كان مقدراً له الوصول إلى هنا. فهو الذي عاش يتيم الأب وقضى معظم أوقاته في زواريب حيّه مع «الشلل الحبّيبة». لم يكن يعرف من منزله سوى «الفراش الذي ينام عليه». بات كأي واحدٍ من هؤلاء قابلاً لأي شيء من دون أن يحسب حساباً للعواقب التي تصل حدّ الموت. بدأ علي مشوار «الحبحبة» بحبة «إي». كان ذلك في إحدى سهرات الشلة في الحي، حين وقف وسط رفاقه، صارخاً «اسندوه معي، رح يوقع علينا». لم يكذّب الرفاق خبراً، فركضوا يساعدون صديقهم في دفع عمود الكهرباء كي لا يقع عليهم! ولما لم يستطيعوا، هربوا. والمفارقة أنّهم ركضوا من الحي هرباً من العمود الذي تخيّلوا وقوعه.. إلى منطقة الوروار. لم يأبهوا للمسافة التي قطعوها. عادوا منها وكأن شيئاً لم يحصل.

أصعب ما في حالة «المبنزك» أنه يشطب جسده ومن يقف في طريقه

في المرة التالية. انقلبت الـ«إي» حبة أخرى: «ريفوتريل». تغيّر الشعور. كبُرت اللذة والألم أيضاً.
في لحظات الذروة، يمكن «يفوت متعاطي هيدي الحبة بمشكل مع جيش، بيحسّ الناس برغش». ثمة أنواع أخرى من الحبوب «ممكن تجيب الإنسان جورة»، ومنها «البنزكسول». أصعب ما في حالة «المبنزك» أنه في حال شعوره بخطرٍ محدق قد يصل إلى مرحلة لا يعود معها قادراً على الشعور بالرأفة بأي شيء. يشطب جسده ومن يقف في طريقه.
جرّب علي كل تلك الأنواع، والتشطيب أيضاً. جسده محفور بالخطوط الحمراء النافرة. جرب كل شيء: بنزكسول. ريفوتريل. ترامال التي لا يزال مواظباً عليها. وبحسب الصديق، هذه الحبة «بتسطّل، ممكن يقعد صاحبها 6 ساعات على الكرسي، ما بيتزحزح إلا بتقليعة». هنا، يفقد متعاطيها التوازن والإحساس بالوزن والوقت والمكان أيضاً.
ثمّة نوع آخر لا مفرّ منه في مشوار «الحبحبة» وهو دواء السعال «cimo». لا أحد من «سكان» عالم الحبوب يستطيع أن ينهي أو يبدأ مشواره من دون الـ«سيمو»، وظيفته: «تسطيل وتطفاية، بصير الواحد يلعب بعيونو غميضة، وهيدي أجمل مرحلة، بكون حاسس إنو طاير». لكن، ماذا بعد الطيران؟ لا يختلف شعور ما بعد الطيران عن الشعور بزوال مفعول الـ«إي»: كآبة قاتلة، لن تمحوها إلا جولة «طيران» جديدة.