البلاد العربية تشبه غابة احترقت عن بكرة أبيها، وبعد الحريق نبتت زهرة النار، هي هيئة حماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني». هذا الوصف المتفائل الذي أطلقه أحد المشاركين في «اللقاء التشاوري العربي بشأن فلسطين»، لا يعني أنّ اللقاء الذي احتضنته بيروت، أمس، قد ينجح في تحقيق مهماته
بسام القنطار
«استعادة البعد العربي لقضية فلسطين». الهدف واضح ولا يحمل الالتباس، لكنه من العمومية بمكان، بحيث يصبح من الصعب القول إن «اللقاء التشاوري العربي بشأن فلسطين»، الذي عُقد أمس في فندق البريستول في بيروت، يستطيع أن يصوغ وينتج الآليات العملية لتحقيق هذا الهدف. ولأن الابتكار هو سمة ملازمة لهذه الاستعادة، تتبدّى معالم الصعوبة، في المشهد المكرّر للّقاء الذي دعت إليه «الهيئة الوطنية لحماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني»، والذي لم يشذَّ عن سابقاته من اللقاءات والمنتديات المتعلقة بالمقاومة والأسرى والجولان والقدس، التي شهدتها بيروت على امتداد السنوات الماضية. الوجوه نفسها تقريباً، مع بعض الإضافات، تحت مسمّيات عدة: «مثقفون» و«نشطاء و«مناضلون». لكن هؤلاء وصغيرهم قد تجاوز الخمسين من العمر، أجمعوا على أن جلَّ ما يستطيعون القيام به، هو تسليم الراية إلى الشباب العربي، الغائب الأكبر عن اللقاء.
المفكّر العربي عزمي بشارة، قدّم خلال اللقاء، بياناً سياسياً للنقاش. لكن رمزية بشارة الجغرافية والنضالية والفكرية، لا تجعله ضمانة كافية وحدها لقيام الهيئة، التي أسهم في انطلاقها، بالمهمات التي وضعتها لنفسها، رغم أنه يطمح إلى استقطاب مروحة واسعة من المنتسبين، في المؤتمر التأسيسي الذي ستعقده الهيئة في تشرين الثاني المقبل في دمشق، بعد أن وسّعت نطاق عملها، لتكون عربية، بدلاً من حصرها بالفلسطينيين.
تسعى الهيئة الوطنية إلى نشر ثقافة التمسك بالحقوق الثابتة لشعب فلسطين، بما فيها حقّ العودة وتقرير المصير، وإلى جمع كلّ الفاعليات المستقلة، من جمعيات ومؤسسات وشخصيات مستقلة، ومناضلين ومناضلات من داخل الفصائل وخارجها.
«لا نريد حزباً جديداً ولا فصيلاً جديداً، لأننا لا نريد استثارة العصبيات ضدنا. نحن ننتقد السلطة الفلسطينية، ونطالب بإعادة بناء منظمة التحرير، لتأخذ دورها الحقيقي. سمّوه تكتيكاً، أو استراتيجية، لا فرق، ولكن هذه طريقة عملنا، والمهم هو إطلاق حراك شعبي على المستوى الفلسطيني والعربي، وعلى المستوى الدولي، يشارك فيه أعضاء مختلف الفصائل وآخرون لا ينتمون إلى أي فصيل. وظيفتنا أن نوفّر لهم مكاناً ينسّقون فيه معاً، ويناضلون على أساس الموقف السياسي المتمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ليتحوّلوا إلى قوة مؤثّرة سياسياً»، يقول بشارة.
«في الجامعات طلاب يبحثون عن معنى لحياتهم، سبقونا في تأسيس حركة مناهضة لسياسة الفصل العنصري في فلسطين. لذلك، لا بد من جمع كل الذين نشطوا بطريقة فردية أو جماعية في مواقعهم، ولا بد من منحهم سقفاًَ سياسياً يوجّه النضال وينسّق بينهم. كما يجب وضع قائمة بالهيئات والفاعليات الدولية التي تتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا تجد طرفاً فلسطينياً منظماً يتفاعل معها»، يضيف بشارة.

«لا نريد حزباً جديداً ولا استثارة العصبيات ضدنا»

اقتراح بتأسيس «المنظمة الشبابية العربية لتحرير فلسطين»
المهمات التي حدّدها بيان بشارة السياسي لا يجدها أنيس النقّاش قابلة للتحقيق «بعيداً عن الحضور القوي والفاعل لعنصر الشباب، هؤلاء يمكنهم خلق أداة نضالية تؤسس لقوة ضغط شعبي». لذلك، اقترحَ النقّاش «تأسيس المنظمة الشبابية العربية لتحرير فلسطين، وبذلك يمكن من جديد أن نلهب الأرض تحت أقدام المستعمرين والمحتلّين».
ومن غياب الشباب، إلى الحضور الخافت والخجول للمرأة، الذي عبّرت عنه الناشطتان رزان زعيتر وحياة حويّك. لم تخفِ حويك حنقها من طغيان الذكورية على اللقاء، ووصفته بأنه «لقاء عجائز غرِق في توصيف الواقع ولم يقدّم مقترحات».
في حفل الافتتاح، لائحة طويلة من الخطباء، طُلب منهم التحدث لدقائق خمس. فاكتفى المختصِر منهم بعشر دقائق على الأقل. وفي المضمون توصيف مسهب للواقع، واستعادة تاريخية للصراع منذ وعد بلفور إلى مفاوضات واشنطن الأخيرة، وبين متفائل ومتشائم، حُمّل اللقاء في جلسته الافتتاحية وفي جلسات مناقشة الوثيقة السياسية لبشارة، التي امتدت حتى ساعات متأخرة من الليل، بما لا يُحتمل. وقد دفع ذلك ببشارة إلى التدخل مجدداً في جلسة النقاش الثانية، طالباً ألا ينقل المشاركون أزماتهم وهواجسهم الشخصية إلى اللقاء، مشدداً على حصر البحث في آلية الحفاظ على الثوابت والبعد عن نقد الذات والآخرين. وأضاف بشارة: «يجب ألا ننسى أن القوى الإسلامية الفلسطينية كانت تكفّر منظمة التحرير الفلسطينية، أما اليوم فقد تطوّر موقفها وباتت تطالب بإعادة بناء المنظمة، وهذا تطوّر إيجابي يبنى عليه، على قاعدة التغير الحاصل في بنى الشعب الفلسطيني».
وبالعودة إلى الافتتاح، ألقى الوزير السابق عصام نعمان كلمة الرئيس سليم الحص، التي رأى فيها أن «المشروع العربي ما كان ينادي بطرد آخر يهودي في فلسطين، وأن فلسطين لا تزال موئلاً لعرب فلسطين، ومعهم من كان على أرضها من شعوب المنطقة، وأن العرب باتوا يتقبّلون سمة العصر التي تملي اختلاطاً وثيقاً بين السكان إثنياً وثقافياً وحتى حضارياً».
رئيس وزراء الأردن الأسبق، أحمد عبيدات، شكا من «انعدام الحل العادل وغياب الموقف العربي الفاعل لتواطؤ معظم الأنظمة»، مبدياً استغرابه «لاستمرار الانقسام الفلسطيني».
وألقى النائب علي فياض كلمة حزب الله، فتساءل «أين هي مركزية القضية الفلسطينية في برامج أحزاب المعارضة العربية؟»، مشيراً إلى أن «الفريق الآخر الذي نخوض صراعاً معه (في لبنان) حول الدعوة إلى دعم القضية الفلسطينية، لا يخجل بالعلاقة مع إسرائيل». ولفت إلى «تأييد رئيس الوزراء (سعد الحريري) المفاوضات المباشرة مع إسرائيل»، معتبراً أن «هذا الموقف ليس الموقف الرسمي اللبناني، ورئيس الوزراء تجاوز هذا الموقف».
وأعلن بلال الحسن، الناطق الرسمي باسم الهيئة، أن «مواجهة المشروع الصهيوني مسؤولية عربية أوّلاً». وأن «الفلسطينيين في هذه المواجهة هم مقاتلو الصف الأول فحسب. ونحن نتطلع إلى إعادة إحياء هذا المفهوم العربي لمواجهة المشروع الصهيوني، ولهذا دعوناكم إلى هذا اللقاء التشاوري، لا لكي يتضامن العرب مع الفلسطينيين. بل لكي يتعاونوا في بناء الجبهة العربية في وجه المشروع الصهيوني – الاستعماري».
حسن نفاعة من مصر رأى أن جميع الأنظمة العربية متواطئة ضد القضية الفلسطينية. فقاطعه أحد الحاضرين قائلاً «إلا نظاماً واحداً». فأجابه: «أنت أردت أن تستثني، ولكني لا أستثني أحداً. كل الأنظمة العربية لا تمثل شعوبها ولا تنتهج الديموقراطية، لذلك فلا أمل منها بتحرير فلسطين».
أما ناديا خوست من سوريا، فطالبت باستعادة ثقة الناس بأنهم أصحاب رأي في القرار الوطني، واستنهاض كرامتهم الإنسانية، ويؤسَّس هذا على فهم دور الفساد الخفي في دكّ المجتمع من داخله. وحذّرت خوست من «الاختراق الثقافي من خلال أدب الجنس والجوائز الصهيونية، والانتباه إلى أن الأمية الثقافية والولاء الإثني والانبهار بالعولمة تسهّل اختراق الصحافة الوطنية واليسارية».


«حماس» كادت تنسحبومن نابلس حضر إلى بيروت القيادي الفتحاوي المعارض والأسير المحرر حسام خضر. الرجل يمثل الشاهد العيان لما سمّاه بشارة في وثيقته السياسية «ضحايا التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل». إضافة إلى خضر، حضر العديد من الشخصيات الفتحاوية من الداخل والشتات، رغم المقاطعة الكاملة من قيادات «فتح» و«الشعبية» و«الديموقراطية» في لبنان للمؤتمر، فيما بدت واضحة المشاركة الكثيفة لفصائل التحالف الفلسطيني. ورغم مشاركة حركة حماس بوفد قيادي في المؤتمر برئاسة أسامة حمدان (الصورة)، فإنّ الانزعاج كان واضحاً منهم على خلفية عدم إعطائهم كلمة في الجلسة الافتتاحية، فيما تحدث مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر.