سمير يوسفلا أعرف إن كنت قد أصبحت عاجزاً عن كتابة الشّعر. تدور «توربينات» الحياة حولي من دون أن تبوح بشيء كثير. في رحم السرعة والتردّدات الخارقة، لا أستطيع اللحاق ببياض الصفحة ــــ تبّاً للفيزياء ــــ تنفجر الكلمات قبل أن تصل إلى بحر الورقة ــــ تبّاً لفقهاء الأنطولوجيا ــــ نحنُ لا نملكُ رادارات. تضيع الأحرف حيث لا ماء ولا أملاحَ ولا صَدف، وتتشرّد ككلاب صيدا. مع القليل من العضلات، نشدّها.
كأنّ هتلر لعقَ أوروبا البارحة. كأنّها أمطرت دبابات في تشيكوسلوفاكيا بعد ظهر اليوم. كأنّ حركة طالبان قد فجّرت تماثيل بوذا لتوّها. سرعة، صبّابات نطاطة من الكلمات، تساءلت إن كان هناك «بادج» على كتفي يقول إني واحد من عصابة الشاعر فيليبّو مارينيتّي وحركته الأصوليّة والمانيفستو! أهتدي إلى بعض الأصوات. أسراب نفاثة من العبارات لا تعطيني الفرصة لأن أسمعها. بالطبع، تسبق سرعة الصوت، وبالتالي سرعة القراءة، أو حتى اللحظة المسروقة لرميها في زاوية من زوايا الحمراء هيَ الآن في طور الهدْم من أجل بناء سنتر تجاري ــــ ما هذا ؟ ــــ أكتشف فجأة أن الجمل الفعليّة والاسميّة، السردي منها أو التهكّمي، التكعيبي أو السيريالي، قد مرّت على أنّها جمل اعتراضيّة لا محلّ لها من الإعراب في حياتي. أخاف من أن يضيع نصّي. لستُ على الجبهة الشماليّة أقاتل حزب الله. لستُ جنديّاً إسرائيليّاً يتفرّج على الكاتيوشا ولا حول له ولا قوّة. إذاً، ما الذي يجري؟ أرهقني الصيف والحرّ حتى صرتُ شفافاً لدرجة غير محتشمة على الإطلاق.
تعبرني قسائم السفر والأوراق الثبوتيّة المترجمة إلى الفرنسيّة عند مترجم محلَّف. تعبرني التواقيع الإداريّة والرسميّة وأيضاً بانوهات الشوارع. تخبّئني الذاكرة في أحشائها لكنّي لا أهدأ.
أنزلق من أيام الحبّ فيها إلى الفقر ثم إلى الجنون. حوارات الكتائب تعبر. كتائب؟ ماذا؟ ماذا قال سامي جميّل؟ لا، لا... جديّاً، ماذا قال؟ هل حالتي وقلّة استيعابي أصبحتا وباءً وطنياً؟