حمزة الأمينإلى أعماق الجمال أنا مبحرٌ، من دون مجاذيف ولا أشرعة. أمسكت بقلمي، وقلت للروح حلّقي. أحضرت أوراقاً خاصة لا يؤثر فيها بلل العرق المتصبب من كل أرجائي، ومشيت خطوتين، ثم تذكرت أني نسيت مسطرة كنت قد نحتّها خصيصاً من خشب سنديانة قطعت من مئات السنين، كان جذعها المركون أمام منزلي شاهداً على تفاصيل حياتي. فحوله كانت تدور كل الأحداث، ولهذا قررت أن أنحت منه مسطرة أهندس فيها أوراقي وكلماتي، لما لهذا الجذع من قدسية لا تبهتها الأيام، ولأنني أردت لكلماتي التي أستعد لخطّها أن تخلد كما السنديانة، أخذت المسطرة، وأزلت الستارة عن صورة الأميرة. هنا، عصفت بمخيلتي ريح واهتز الكيان. هربت كل الورود وحملت معها كل الألوان، متخذة من جدار بين أروقة ذاكرتي مخبأً. أخذت تنظر للأميرة، وبدا عليها الخوف. خوف يشبه خوف القمر متى حان وقت الشروق. وشرعت أكتب: أولى كلماتي كانت «أميرة»، أو «ملاك». وهنا، تغيّر نبض قلبي، فتوقفت للحظات. اشتد النبض وازداد، فأسدلت الستارة على الصورة واستدرت قليلاً. فتحت نافذتي المطلة على البحر ورسمت بمخيلتي فوق المياه الواسعة صورتها. رسمت مركباً من الأشواق، أعتليه باستحياء كأني أجذّف بمسطرتي وأدفع بمركبي ناحية الوجه المرسوم على صفحة المياه. كان الوجه يتبدّل، فحيناً أراه يبتسم، وحيناً يتجهم مثل غيوم الشتاء. وكلما اقتربت منه، اشتد النبض وصارت الدماء تغلي في شراييني كبركان على شفير الانفجار، فنزلت من المركب وسلمت نفسي للأمواج لعلّها تبرّد النار المستعرة في قلبي وكياني، ولعلها تقذفني ناحية الوجه الملائكي الجميل. إلا أنها، بدلاً من ذلك، رمتني على شاطئ من رماد.
هنا، أقفلت نافذتي وعدت إلى الصورة. أزلت الستارة ورميت بها بعيداً، وقررت أن أسكن ذلك الجمال كي أصفه.
جميل أن أغرق فيك حتى القعر، وألا يأتي أحد لإنقاذي. أن أتنفس أوكسيجين الهوى من رئتيك، أن أرى نجاتي بمزيد من الغرق، حتى القعر. ففيه أحيا وفيه أموت.