ينتظر الصيادون في مرفأ الضبية الحصول على إذن من وزارة الأشغال والنقل ليبدأوا بتحسين مرفئهم وتطويره بعدما ملوا انتظار تحقيق الوعود لأن «الأموال غير متوافرة». فغرق «فلوكات» الصيادين في الشتاء وتحطم بعضها يستدعي التحرك سريعاً من أجل تضييق مدخل المرفأ وشفط الرمال المتراكمة في قعر الحوض حيث ترسو القوارب قبل أن ينتهي فصل الصيف
أليسار كرم
خلف المراكز التجارية والأبنية العالية في الضبية، وعلى مقربة من ثكنات التدريب التابعة لقوى الأمن الداخلي، يختبئ مرفأ المدينة من غبار وضجيج الأوتوستراد الذي لا يهدأ. المرفأ أو المرسى الذي أنشئ عام 1976 عُرف لفترة غير قصيرة باسم «مؤسسه» جوزف عبود حتى صار اسمه «بور عبود». ترسو فيه فلوكات الصيادين البيضاء المزينة ببعض الخطوط الملونة وتتهادى على صفحة الماء، صعوداً ونزولاً، كأنها تتعمد إظهار نفسها أمام كل مار على الرصيف والتعريف عن نفسها بالاسم الذي خطه صاحبها على جسمها. «ماريا» و«سانتا تيريزا» و«أنطونيو» وغيرها من الفلوكات تحمل يومياً الصيادين الذين يتوافدون إلى المرفأ من مختلف البلدات المتنية والكسروانية لكسب عيشهم، وخصوصاً في فصل الصيف. جميعهم أعضاء في «تعاونية صيادي الأسماك والنزهة السياحية والتراث في الضبية». يرفضون اعتبار المكان مجرد مرفأ للصيد ويشددون على أنه «مكان للنزهة أيضاً من دون الانتقاص من أهمية الصيد»، كما يشرح رئيس التعاونية جوزف متى، الملقب بـ«الدروندي»، تيمناً بالشخصية الشهيرة في المسلسل اللبناني «الدنيا هيك». يضيف: «الصيد هواية ومصدر عيش لكل أبناء المدن القريبة من البحر منذ أيام الفينيقيين». يستفيض متّى بسرد المراحل التي مرت بها التعاونية منذ تأسيسها في عام 1994 بمشاركة 17 شخصاً فقط. يتذكر كيف اتفق الصيادون على تأسيس تعاونية ليتمكنوا من تنظيم عملهم وتحسين أوضاعهم وكيف وصل عدد المنتسبين إليها اليوم إلى 280 منتسباً. يعدّد الإنجازات التي حققها بمبادرة فردية ومن دون أي دعم رسمي، ويفاخر بإقبال العائلات والأصدقاء على المرفأ للتنزه على السنسول أو الصيد أو استئجار قارب صغير والإبحار فيه. يرسم حركة دائرية بيده السمراء المبللة بمياه البحر كأنه يرسم إطاراً يحيط بكامل المرفأ «كل ما ترين هنا، من رصيف الباطون إلى الاستراحة والقهوة والقاعة التي نجتمع بها، أنشأناها «من كيسنا» ولكننا اليوم لم نعد نستطيع إزاحة حجر من دون إذن وزارة الأشغال التي يقع المرفأ تحت سلطتها».
بعد زيارات وزير الأشغال والنقل غازي العريضي إلى مرفأ الضبية برفقة عدد من نواب المتن، تلقى الصيادون سلسلة وعود لم يتحقق منها حتى الساعة سوى «الأقل أهمية» على حد تعبيرهم، بحجة أن الأموال اللازمة غير متوافرة في الوزارة. يجمعون على أن الضبية مظلومة لأن تحسينات كثيرة طرأت أخيراً على مرافئ بيروت (في عين المريسة وجل البحر... الخ) فيما مرفأهم الذي يبتعد عن جبال النفايات ومجاري الصرف الصحي وينأى عن بيوت التنك، لا يحظى بالاهتمام الفعلي. درونديّ المرفأ الذي يشبه إلى حد بعيد دروندي المسلسل (الممثل الراحل شفيق حسن) يشرح المشكلة قبل أن يقترح الحل «حوض مرفأ الصيادين بحاجة لتنظيف من الأوساخ والرمال في قعره، لأن الفلوكات تلامس القعر حين ترسو، كونه لا يتعدى 40 سنتيمتراً، فيما يجب أن يتراوح بين 5 و12 متراً. أما في فصل الشتاء مع كل «سيكا» (الرياح القوية بلغة الصيادين) تدخل المياه بقوة إلى الرصيف ثم تعود إلى الخلف بالقوة ذاتها تقريباً، فتشد معها الحبال التي تربط الفلوكة وتقطعها، ما يعرّضها لخطر الغرق. وبالتالي؟ يجب حماية مراكب الصيادين من «نو البحر» من خلال تضييق مدخل المرفأ وبناء سنسول أو رصيف كاسر للأمواج». يتابع شارحاً «يجب ألا يتخطى عرض المدخل 15 متراً فيما يصل إلى 120 متراً هنا، لذلك يجب بناء سنسول آخر، مقابل السنسول الموجود ليشكلا معاً بوابة الدخول». يؤكد أن ثلاث فلوكات على الأقل غرقت العام الماضي ولم تتحرك هيئة الإغاثة للتعويض على الصيادين على الرغم من أنهم قاموا باللازم للحصول على حقهم».
في السياق ذاته، يعتبر أمين صندوق التعاونية فادي الحايك أن «موقع المرفأ يسمح بأن يكون مقصداً للسياح وأبناء المنطقة على حد سواء، وأن التعاونية تهدف على المدى البعيد إلى تحسين المحيط السياحي في موانئ الصيد وإطلاع السائح على معالم أعماق البحر وعلى أنواع الأسماك التي تعيش فيه وتحسين وضع الصيادين، اجتماعياً واقتصادياً، والأهم من كل ذلك إعادة تثقيف الصياد على الصيد بطريقة علمية للحفاظ على الثروة السمكية وتكاثرها وبخاصة الصغيرة منها»، لكنه يأسف لغياب الحد الأدنى من الشروط. يشير إلى الرطوبة البادية على جدران القاعة المتواضعة التي يلتقي فيها الصيادون ليناقشوا بعض الأمور وأحياناً ليضعوا فيها صنارة الصيد والسلة المليئة بالعجين والديدان التي تصلح طعماً للسمك وغيرها من الأدوات، ثم يشير إلى تلة ترابية يرتفع خلفها جدار من الأكياس الرملية يفصل بين المرفأ وثكنة الضبية لتدريب «الفهود» حيث يخضعون لدورات التخشين والرماية دورياً، فضلاً عن التدريبات العسكرية العادية. يقول: «قوى الأمن على راسنا، ولكنهم اختاروا المكان الخطأ. فعندما يتدربون على إطلاق النار أو رمي القنابل تصدر عنهم أصوات قوية ومزعجة تخيف الراغبين بالتنزه والهاربين من ضجة المدينة». يتدخل أحد الصيادين وهو يمسح العرق عن جبينه الذي احترق جراء التعرض يومياً لأشعة الشمس «قالوا لنا إن الإبحار مقابل الثكنة ممنوع لكنهم لم يضعوا أي شريط في الماء لرسم حدود منطقة الخطر، لذلك نقترب منها سهواً في بعض الأحيان. في المرة الماضية كاد أحد الصيادين أن يصاب برصاصة خرجت من الهنغار التابع للثكنة».


تشغيل المرفأ