في عرمتى، قضاء جزين، يطلق الأهالي على الجوز اسم الفرخ. ولـ«الفروخ» هناك حكاية ترتبط بالإرث وبالشراكة في رزق الموسم الواحد، ثم بتوزيعه بالتساوي، أو بحسب الحصص، لأحفاد توارثوه أباً عن جدّ، حتى بات جميع أبناء البلدة من ملاكي الجوز

كامل جابر
«كان الفرخ لاثنين أو ثلاثة إخوة، سرعان ما تفرّع منهم أبناء وبنات وأصهار صارت لهم حصص في أشجار الجوز المعمرة. هناك أشخاص لم بنجبوا، وكانت لهم حصص في هذه الفروخ، فوهبوا حصصهم للنادي الحسيني أو وقف الجامع أو وقف المقبرة، لكي يعود ريعها للعمل الخيري، وخدمة الأماكن الدينية»، بهذه العبارات يختصر إبراهيم الحاج من عرمتى حكاية ملكية الجوز فيها.
ويعتبر الجوز من أهم مزروعات هذه البلدة التي تعوم على بحيرة من المياه. معلومة يردّدها الأهالي بزهو، نقلاً عن مهندسين جيولوجيين تشيكيّين أكدوها، فضلاً عن أنه «بالإضافة إلى العيون الغزيرة فيها، تتغذّى البلدة من خمسة إنشات من المياه تنبع من أعلى تلة فيها، من رأس الجبل». وبسبب وفرة المياه هذه، كانت مساحات الجوز في عرمتى سابقاً أكثر مما هي عليه اليوم، بعدما تقلّصت لأسباب عديدة، منها عشرون سنة من الاحتلال، وما شهدته المنطقة من عمليات عسكرية كانت كفيلة بإحراق كمية كبيرة منه. يذكر إبراهيم الحاج، أبو علي، «قطعة أرض بين مليخ وعرمتى كانت مكتظة بأشجار كثيفة، وتشبه غابة من الجوز، لم يبق منها شجرة واحدة اليوم».
وعن حكاية امتلاك جامع البلدة وحسينيتها ووقف مقبرتها حصصاً في فروخ الجوز، يروي الحاج أنه «بعد ازدياد عدد المستفيدين من الفروخ بالوراثة، بلغت بعض الحصص عند القطاف نحو عشر جوزات فقط، ما كان يدفع بأصحابها إلى اتخاذ قرار بوهبها لهذا الوقف أو ذاك، بدلاً من أن يقطفها بنفسه، لأنها «ما بتحرز». ومع تنامي هذه الظاهرة، تراكمت حصص الوقف، حتى أصبح يقام عليها مزاد علني، فيأتي البعض ويشتري حصة النادي الحسيني مثلاً ويضع بدلاُ منها نقوداً في صندوق الوقف تستخدم لأغراض دينية ولخدمة هذا الوقف».
يعيش الفرخ بين 200 و300 سنة. أكبر هذه الفروخ وأشهرها في عرمتى، فرخ «الحصيدة» الذي يبلغ ارتفاعه وقطره 15 متراً بالتساوي. أما اسمه فقد اكتسبه تاريخياً من «البيدر» الذي نبت فيه، وهو الحقل حيث كان الأجداد يحصدون القمح.
تتوزع ملكية فرخ الحصيدة بين عشر عائلات من جهة، ووقف النادي الحسيني الذي بات يمتلك حصصاً موازية، من جهة أخرى. لم يقطف الفرخ حتى الآن، بانتظار بيع حصة الحسينية لهذا العام. ويقوم الفرخ فوق نبع مياه «يقول جدي إنه معمّر لأن جذوره تحت النبع وتشرب كثيراً من الماء، لذلك يبقى دائم الخضرة. أما جوزته فهي جيدة جداً وكبيرة. أنا اشتريت العام الماضي حصة الحسينية في فرخ الحصيدة، وكانت الحصة مئتي جوزة» يقول الحاج.
وبحسب العرف المتفق عليه في البلدة، تُورَّث شجرات الجوز والزيتون والتين للصبيان والبنات، ويمكن أن تكون حصة الأرض للشباب، وحصة الشجر للبنات. هكذا، لا يحق لصاحب الأرض اقتلاع الفروخ، إذ يأتي ورثة الجوز سنوياً إلى الحقل، ويجمعون حصصهم. إلا أنه إذا يبس الفرخ، يسقط حق ورثة الشجر ولا يمكنهم زرع البديل. فتتحرر الأرض لوارثها، كما يشرح الحاج مردفاً: «أنا عندي قطعة أرض، فيها فرخان ليسا لي، أو أنني أملك حصة واحدة فيهما. ولا يمت أصحابها بصلة قربى لي. كانت في أرض جدي، وعندما خمّس أرضه، ليذهب إلى الحج، منح الجوزات لأحد رجال الدين، بدل الخمس. ثم عاد الشيخ وورّث الجوزات للأولاد ثم للأحفاد وهكذا دواليك».
قلة هم من يبيعون الجوز في عرمتى، يقدمون بعضاً منه هدية للأقارب والمعارف، كما يستخدمونه للمؤونة، ويتناولونه «فرك»، أي وهو لا يزال أخضرَ طرياً، أو يابساً، (وهم يجففونه بعد قطافه في الفيء وليس تحت الشمس كما هو شائع، لكي لا يفقد من خواصه الغذائية)، في المربيات ومع الشاي والتين اليابس. وجوزة عرمتى مشهورة ببياض لبّها. وتسمّى الجوزة الجيدة «بطيخي»، و«اللي بيدوق طعما ما فيه ما يرجعله».
ولكن، منذ سنتين، بدأ جوز عرمتى يعاني «مرضاً لم نر مثله لا نحن ولا حتى الكبار في السنّ، إذ تساقط ورقه الأخضر في موسم النمو، في فصل الربيع، وبقي من دون ورق، كما أنه لم يحمل في العام الماضي، على الإطلاق»، كما يقول الحاج مستدركاً «ثم عادت الفروخ لتكتسي حلة خضراء في شهري تموز وآب بعدما أنبتت ورقاً جديداً». ورغم أن الحاج قد اشترى دواءً لمكافحة المرض الغريب، إلا أنه لم يستفد كثيراً. أحد الأغصان حمل تسع جوزات، هذه الجوزات التسع ثمنها ألف ليرة على الأقل، لكن جوز عرمتى لا يقدر بثمن و«لو دفعوا عشرين ألف ليرة لكل مئة حبة لا أبيعها»، فهو يشتهر بطعم جيد، «لا مثيل له في الجوز الآخر وخاصة الجوز السوري أو حتى الألماني».