28 عاماً “صبرا وشاتيلا” مـا زالت تنزفبسام القنطار
أين وصلت الملاحقات القانونية في مجزرة صبرا وشاتيلا؟ السؤال تطرحه اليوم ندوة قانونية وإعلامية تنظمها «ثابت» لحق العودة في فندق مريديان كومودور في الحمرا، ويرعاها وزير الإعلام طارق متري.
الجواب البديهي عن هذا السؤال لا يحتاج إلى عقد ندوة. ببساطة لم تصل الملاحقات القانونية في مجزرة صبرا وشاتيلا إلى شيء، وخصوصاً بعد إقفال القانون البلجيكي الباب أمام الدعوى الوحيدة التي رفعت في هذه القضية أمام القضاء هناك في أيلول ٢٠٠١، ما أثار في حينها ضجة سياسية وأزمة دبلوماسية بين إسرائيل وبلجيكا، فعمدت الأخيرة الى تعديل قانون الصلاحية الكونية لجرائم الإبادة، الذي سمح بمقاضاة المتورطين في جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في بلجيكا بغض النظر عن وجودهم فيها أو جنسياتهم. القانون الذي أقره البرلمان عام ١٩٩٣ كان منفذاً ضيقاً سرعان ما أغلق أمام الدعوى المقامة ضد مجرم الحرب الإسرائيلي أرييل شارون.
اللافت أن أحداً من الأطراف التي تولت العمل على الدعوى المقامة ضد شارون في بلجيكا لن يتحدث في ندوة اليوم، علماً بأن التباينات بين هذه الأطراف كانت واسعة وعميقة، ووصلت الى حد التخوين وإطلاق الاتهامات المتبادلة. جابر سليمان منسق مركز حقوق اللاجئين في لبنان (عائدون)، الذي يترأس جلسة في الندوة بعنوان «نحو آليات عمل قانونية عملية لملاحقة مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا» قال لـ«الأخبار»، إنه يشك في أن تخرج الندوة بآلية عملية، واعتبرها جزءاً من الأنشطة الاحتفالية السنوية التي تقام في ذكرى المجزرة، حيث يدلي كلٌ بدلوه ثم يمضي في حال سبيله. سليمان الذي كان منسقاً للجنة المساندة في الدعوى التي أقيمت ضد أرييل شارون أمام القضاء البلجيكي، لفت الى أن هذه الدعوى كانت المحاولة الجدية الوحيدة في موضوع صبرا وشاتيلا، لكن تعديل قانون الصلاحيات الشاملة الذي استند المحامون إليه لتقديم الدعوى عُدّل، «كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رفضت الطعن الذي قُدّم أمامها ضد القضاء البلجيكي، وكل ذلك ناتج من تدخل سياسي وعسكري في الشؤون القضائية البلجيكية، وصل الى حد تهديد بلجيكا بعزلها عن حلف الناتو».
العفو العام اللبناني لا قيمة قانونية له وفق قواعد القانون الدولي
لا يوافق علي هودي، المدير العام لمنظمة ثابت، على توصيف سليمان للندوة، لافتاً الى أن تزامنها مع الذكرى ٢٨ للمجزرة لا يعني أنها مجرد ندوة احتفالية. فبرنامج الندوة يتضمن جلستين مطولتين تناقشان واقع الملاحقات القانونية لمرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا من خلال البحث في الآليات القانونية ومبدأ الولاية القضائية العالمية. وتطرح الندوة سؤالاً أساسياً: هل يطوى ملف الجرائم ضد الإنسانية بتقادم الزمن؟
يلفت هودي الى أن الندوة التي يشارك في أعمالها عدد من الباحثين والخبراء القانونيين والأكاديميين والإعلاميين وأساتذة الجامعات والمهتمين، ستسعى لتأليف لجنة متابعة تنتقل بالملف من الإطار النظري الى الإطار العملي الجدي.
الباحث الأميركي المقيم في لبنان فرنكلين لامب الذي يرأس «مؤسسة صبرا وشاتيلا»، يشير الى أن لمؤسسات المجتمع المدني دوراً كبيراً في التعريف بالمجزرة. يمضي لامب جزءاً كبيراً من وقته في المخيمات الفلسطينية، وهو أعاد هذا العام تسليط الضوء على المجزرة من خلال مقابلة مطولة أجراها مع عدد من الناجين وأقربائهم ونشرها في عدد من وسائل الإعلام الأميركية. يعتبر لامب أنه من الضروري أن نعيد رواية المجزرة وتحديث معطياتها، وخصوصاً من خلال الجدران الـ١١ داخل المخيم التي كانت شاهداً على دماء الضحايا التي لا تزال آثارها عليها. ويلفت لامب الى أن قانون العفو اللبناني الذي أقر في ٢٨ آذار ١٩٩١ مخالف للدستور، وغير معترف به على المستوى الدولي. والبحث الحقيقي يجب أن ينطلق لإيجاد آلية قانونية تسمح للمحكمة الجنائية الدولية بملاحقة مرتكبي المجزرة وعدم إفلاتهم من العقاب.
نديم حوري، المدير الإقليمي لمنظمة هيومن رايتس واتش، يرى أن مناقشة الآلية القانونية لسوق مرتكبي المجزرة الى المحاكم يجب أن تبدأ من لبنان وليس من خلال القضاء الدولي، فالجريمة حصلت في لبنان وارتكبها لبنانيون، والعفو العام الذي صدر لا قيمة قانونية له وفق قواعد القانون الدولي. وأكد حوري أن القضاء الدولي وتحديداً في أوروبا ليس مغلقاً أمام القضية، ولكن الأمر في غاية التعقيد، وفي ظل عدم كمالية القضاء الدولي يجب البحث من جديد عن إحداث ثغرة في القضاء اللبناني، لأن هذه الجريمة لا تسقط بتقادم الزمن. وأكد حوري أن النظرة يجب أن تكون واقعية الى نظام العدالة الدولية وتجربة بلجيكا واضحة في هذا المجال، فيما فتح الآلية القانونية في لبنان توصلنا الى فتح ملف هذه المجزرة من منطلق إعادة إنصاف الضحايا وتنقية الذاكرة.


قانون الصلاحية الشاملة

صدر في بلجيكا عام 1993 قانون الصلاحية الشاملة الذي يسمح بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب أمام القضاء البلجيكي، واستندت بلجيكا في إصدارها القانون إلى اتفاقية جنيف الرابعة المنظمة للقانون الدولي والإنساني، التي تحـظر تلك الممارسات وتجرّمها. في عام 1994 وقعت مذبحة رواندا، وكان لها وقعها في أوروبا، وخصوصاً بعدما فقد أكثر من مليون شخص حياتهم أثناءها، فجرى توسيع نطاق القانون عام 1999 كي يشمل جرائم الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، وفيه جرى التأكيد على عدم العفو عن مرتكبي تلك الجرائم أو سقوطها بالتقادم.
وبناءً على هذا التعديل، أقام أقارب ضحايا مخيم صبرا وشاتيلا في بداية 2001 دعوى قضائية في بلجيكا ضد أرييل شارون لتورطه في أحداث المجزرة، ومن أبرز الأسماء التي عملت في تلك الفترة على القضية رئيس الرابطة العربية الأوروبية دياب أبو جهجه، والمحامي شبلي الملاط، والأستاذة في الجامعة اليسوعية روز ماري صايغ وعدد من المحامين البلجيكيين الذين تولوا العمل على هذه الدعوى.
إلا أن محكمة الاستئناف البلجيكية أسقطت القضية بعدما عُدّل القانون في أيلول عام 2002، بأثر رجعي، ووضع حداً نهائياً للقضية المرفوعة ضد شارون، ولم تفلح الدعاوى التي رفعت أمام محكمة النقض البلجيكية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في نقض الحكم.