هيرمان فون هابيل رئيس قلم المحكمة الدولية في موقع لا يُحسد عليه. فالرجل تولى مسؤولية كان قد تراجع عنها سلفاه عبر استقالتهما. ارتكب خطأً في تحديد موعد صدور التقرير المالي، ربما بسبب اندفاعته. صحّح أمس الخطأ، وربّما تراجعت اندفاعته
عمر نشابة
«إن إجراءات وضع تقرير عن نفقات المحكمة (AUDIT REPORT) لم تنته بعد. لقد كُنت متفائلاً في نيسان، فاعتقدت أن هذا التقرير يمكن أن يُنجز سريعاً لكن يبدو أن العمل سيستغرق وقتاً إضافياً» قال لـ«الأخبار» أمس هيرمان فون هابيل، رئيس قلم المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالإنابة. فون هابيل، الهولندي الجنسية الذي تولى مركزه بعد استقالة سلفه الأميركي دايفيد تولبرت الذي كان قد خلف البريطاني روبن فينسنت بعد استقالته أيضاً إثر خلاف بينه وبين المدعي العام الدولي دانيال بلمار، اعترف إذاً بخطأ ارتكبه في 16 نيسان 2010. يومها قال رئيس القلم بالإنابة، خلال مقابلة أجرتها معه «الأخبار» في بيروت (مقابلة مسجّلة نُشرت في 17 نيسان) إن تقرير نفقات المحكمة سيوضع في شهر أيار وسيُعلن عن مضمونه في حزيران أو تمّوز 2010.
خفّة لافتة تميّز تعاطي الحكومة مع أموال الخزينة وغياب مراقبة الإنفاق
قبل العودة إلى ما قاله الرجل لـ«الأخبار» حرفياً (ونقلته المسؤولة في مكتب التواصل التابع للمحكمة الدولية في بيروت الزميلة وجد رمضان)، لا بد من التذكير بأن الحكومة اللبنانية وافقت بموجب المرسوم الرقم 3346 (تاريخ 23 شباط 2010) على منح وزارة العدل سلفة خزينة قيمتها أربعون ملياراً وثمانمئة وثلاثة وثمانون مليوناً وتسعمئة وخمسة وثمانون ألف ليرة لبنانية (40،883،985،000 ليرة) لتأمين «مساهمة الدولة اللبنانية في نفقات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري» (49 بالمئة) عن السنة الثانية من عملها (2010ــــ2011)، بينما لم يصدر حتى اليوم تقرير عن نفقات هذه المحكمة للسنة الأولى من عملها (2009ــــ2010). وكانت الحكومة قد سدّدت، بموجب المرسوم 1372 (تاريخ 17 شباط 2009)، 12 مليار ليرة لبنانية. يدلّ ذلك على خفّة لافتة تميّز تعاطي الحكومة مع أموال الخزينة وغياب مراقبة إنفاق أموال الناس والدولة، بغض النظر عن وجهة الإنفاق. وفي هذه الحالة إن الحكومة الحالية ملزمة بتسديد 49 في المئة من نفقات «المحكمة الخاصة بلبنان» كما ورد في نصّ الاتفاقية الدولية بين لبنان والأمم المتحدة المرفق بالقرار 1757 (النبذة (ب) من المادة 5) وذلك بموجب نصّ البيان الوزاري (البند 13) الذي نالت الحكومة على أساسه ثقة المجلس النيابي.
يذكر أن فون هابيل ما زال يشغل منصب رئيس قلم المحكمة بالإنابة، فلم يقرّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حتى اليوم تعيينه رئيس قلم. ولدى سؤال «الأخبار» عن أسباب ذلك، قال مسؤول في لاهاي: «إن القضية تتعلّق بأمور إدارية خاصّة بالأمم المتحدة».
في 16 نيسان الفائت سألت «الأخبار» فون هابيل أثناء زيارته لبنان: هل وضعتَ تقريراً عن نفقات المحكمة خلال عامها الأول؟ وهل يمكنك تزويدنا بلمحة عن مضمون هذا التقرير والأشخاص الذين أعدّوه؟ إن اللبنانيين يسددون 49% من ميزانية المحكمة، أليس لهم الحق أن يسألوا كيف تُنفق أموالهم؟ فأجاب «إن ميزانية المحكمة الخاصة بلبنان وافقت عليها لجنة الإدارة التي يتمثّل فيها لبنان، كما يتمثّل فيها المساهمون الأساسيون. إن لجنة الإدارة تشرف على الإنفاق، ولا تقرير لنفقات المحكمة خلال 2009، لكن التقرير سيوضع في أيار بواسطة مكتب التدقيق المالي البريطاني الوطني. وسيرسل التقرير إلى لجنة الإدارة ويُرجّح أن يُعلن مضمونه بين شهري حزيران وتموز. طبعاً إن من حق المساهمين معرفة كيف تُصرف مساهماتهم، وقبل كل المساهمين، يجب أن يعرف اللبنانيون لكونهم المساهم الأكبر في المحكمة الخاصة بلبنان».
وأمس قال فون هابيل: «نحن نتوقّع أن يُرسل تقرير عن نفقات المحكمة إلى لجنة الإدارة في نيويورك قريباً. لا يمكنني تحديد تاريخ معيّن لكني أؤكد أن المسألة مسألة أسابيع لا أشهر. وما سيُعلن سيكون ملخّصاً عن التقرير لا التقرير الكامل».
إن رئيس القلم بالإنابة تحدّث عن «ملخّص تقرير نفقات»، لكن كيف يمكن أن «يعرف» اللبنانيون (المساهم الأكبر) «كيف تُصرف مساهماتهم» من دون تزويدهم بشرح تفصيلي عن صرف أموال خزينة دولتهم؟ وهل سيتضمّن التقرير الملخّص معلومات عن رواتب الرئيس أنطونيو كاسيزي والمدعي العام دانيال بلمار وضابط الاستخبارات البريطاني التابع له (مايكل تايلور) وسلفه نيك كالداس الذي لم يشأ تجديد تعاقده مع المحكمة الدولية فعاد إلى أوستراليا من دون أن تصدر إشارة رسمية واحدة عن «إنجازاته»؟
ألا يحقّ للناس أن يعرفوا كيف تُصرف مليارات الليرات؟ ألا يحق لهم أن يعرفوا ما إذا كانوا يسدّدون نفقات آلية قد تسهم في تدمير ما بقي من بلدهم بحجّة عدالة دولية اختارت جريمة واحدة وتناست آلاف الجرائم الإسرائيلية؟


سلفة خاصة بمحكمة لا وجود لها

ورد في نصّ المرسوم رقم 3346 (تاريخ 23 شباط 2010) حرفياً: «تأمين مساهمة الدولة اللبنانية في نفقات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري» بينما الاسم المعتمد رسمياً هو «المحكمة الخاصة بلبنان». إن السلفة التي أعطيت بموجب ذلك المرسوم لا يُفترض أن تستخدم إلا بحسب ما ورد في المرسوم. وبما أن المرسوم لا يذكر اسم المحكمة الرسمي فلا يفترض أن تحوّل الأموال إليها كما حصل، إذ إن شيكاً مصرفياً مثلاً لا يمكن أن يقبض قيمته غير صاحب الاسم المذكور عليه حرفياً، فإذا كان الفارق حرفاً واحداً لا يتمّ القبض وذلك بحسب الاصول القانونية. ويذكر أن اسم المحكمة حسب مشروع قانون الموازنة التي تصرف الأموال على أساسها هو: «المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».


108 مليارات

ورد في المادّة الثامنة عشرة من مشروع موازنة 2010 تحت عنوان: «قانون برنامج لتأمين مساهمة لبنان في نفقات المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري: يخصّص اعتماد عقد إجمالي قدره مئة وثمانية مليارات ليرة لبنانية (108،000,000،000 ل.ل.) لتأمين مساهمة لبنان في نفقات المحكمة (...) يجاز للحكومة عقد كامل هذا الاعتماد والمباشرة في التنفيذ قبل توفر اعتمادات الدفع في الموازنة. يحدّد تنسيب هذا الاعتماد وبرنامج اعتمادات الدفع التي تلحظ سنوياً في الموازنة وفقاً لما يلي: (...) نفقات دروس واستشارات ومراقبة مختلفة: 61 ملياراً (...) اعتمادات الدفع 2010: 61 ملياراً، 2011: 47 ملياراً. اعتمادات العقد الإجمالي: 108 مليارات».