لمن لا يعلم، قد تبدو الأمور أكثر من طبيعية. مجلس شورى الدولة يوافق على طعن قُدّم إليه فيقضي بحلّ بلدية، ثم يبادر الوزير المعني إلى تكليف القائمقام إدارة شؤون البلدة إلى حين انتخاب مجلس جديد. لكن القصة في نبحا ليست بهذه البساطة، هي التي توزّعت على أربع بلديات لأسباب محض طائفية
البقاع ــ رامح حمية
أصدر وزير الداخلية والبلديات زياد بارود في 4 أيلول الجاري قراراً كلّف بموجبه قائمقام بعلبك، عمر ياسين، القيام بمهمات بلدية نبحا ـــــ المحفارة، بناءً على قرار صادر عن مجلس شورى الدولة ببطلان الانتخابات فيها. قد لا يكون هذا آخر قرار يصدر عن بارود، يتعلّق ببلدة نبحا، إلا أنه آخر ما كان يمكن توقعه بالنسبة إلى متابعي ملفّ هذه البلدة، بمن فيهم بارود نفسه، الذي فعل كلّ ما بوسعه لعدم الوصول إلى هذه الخاتمة، حتى إنه لم يتردّد في إلغاء وتعديل قرارات سبق له أن أصدرها.
القصة تعود إلى عام 1997. تاريخ المحاولات الأولى لأهالي نبحا لإنشاء بلدية. هذا المطلب لم يتحقق، وحالت السياسة دونه أكثر من عشر سنوات. وعندما تحقّق كانت النتيجة انقسام نبحا إلى أربع بلديات (المحفارة، الدمدوم، القدّام والقليلة ـــــ الحرفوش) على الرغم من وحدتها العقارية.
يروي متابعون للملف أنه «بعد أخذ وردّ مع وزير الداخلية، أُبلغنا استحالة إنشاء بلدية موحدة في نبحا لأن هناك قوى سياسية تعترض عليها، ولا بد من إنشاء عدة بلديات، مع تعهّد منه بالموافقة على إنشاء اتحاد بلديات نبحا. ولكن كان هناك صعوبة في إنشاء خمس بلديات، إمّا لصغر بعض البلديات كالقليلة والحرفوش، أو للتداخل العقاري كما هي الحال بين المحفارة والدمدوم. بناءً عليه قرَّر بارود تقسيم نبحا إلى ثلاث بلديات، هي: المحفارة ـــــ الدمدوم، القليلة ـــــ الحرفوش، والقدام». هكذا كرّت القرارات بدءاً من 29 آذار 2010، تاريخ إصدار بارود القرار الرقم 426 القاضي بإنشاء بلدية مركّبة تحمل اسم «نبحا الدمدوم ونبحا المحفارة» في محافظة البقاع. وفي 8 نيسان دُعيت الهيئات الناخبة في البقاع بموجب القرار الرقم 503.
مقدّمو الطعن هم أنفسهم من أصرّ على تقسيم البلدية إلى اثنين
لكن، «بناءً على الاعترضات الواردة إلى الوزارة والمتعلقة بطلب فصل نبحا الدمدوم عن «بلدية نبحا الدمدوم ونبحا المحفارة» أصدر بارود قراراً جديداً في 20 نيسان، يحمل الرقم 604، ويلغي بموجبه القرار 426، ويقسم بلدة نبحا المحفارة ونبحا الدمدوم إلى بلديّتين. في 26 نيسان 2010 صدر القرار الرقم 642 القاضي بتعديل القرار 503 المتعلق بدعوة الهيئات الناخبة في البقاع، وتحديد عدد الأعضاء في كلّ منها.
بناءً عل ذلك جرت الانتخابات البلدية في البقاع في 9 أيار. وبعد أربعة أشهر فقط، تحديداً في 4 أيلول الجاري، أصدر بارود قراراً قضى بتكليف قائمقام بعلبك عمر ياسين القيام بمهمّات بلدية نبحا ـــــ المحفارة، بناءً على قرار صادر من مجلس شورى الدولة ببطلان الانتخابات فيها.
هذا القرار فاجأ أهالي المحفارة، التي لم يكتب لبلديتها الاستمرار في عملها الذي شرعت به بعد انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار الماضي. ويؤكّد رئيس بلدية نبحا ـــــ المحفارة ناهد كيروز لـ«الأخبار» أنّ قرار وزير الداخلية والبلديات جاء نتيجة طعن تقدّم به أشخاص من البلدة بعد خسارتهم في الانتخابات البلدية الأخيرة، مشدّداً على أن «القانون إلى جانب البلدية، لكنّ الضغط السياسي والديني كبير جداً»، مشيراً إلى ورود مغالطات كثيرة في سياق الطعن المقدّم إلى مجلس شورى الدولة، إضافةً إلى العديد من التساؤلات التي هي برسم وزير الداخلية.
كيروز يعود إلى أصل الحكاية، وهو تاريخ صدور قرار وزير الداخلية بإنشاء بلدية مركّبة اسمها «نبحا الدمدوم ونبحا المحفارة»، وبلدية في «نبحا القدام»، إضافةً إلى بلدية مركّبة في «القليلة والحرفوش»، ثم العودة عن هذا القرار وفصل بلدية نبحا المحفارة (9 أعضاء) عن بلدية نبحا الدمدوم (15عضواً). ويقول كيروز إنه لم يشتكِ أحد من قرار الدمج «في الوقت الذي تذرّع فيه الوزير حينها، أمام وفد من آل أمهز وحدشيتي، بأنّ ضغطاً كبيراً مورس عليه من جانب جهات دينية لا سياسية حتى اتخذ القرار بالفصل». هذا الأمر سمح بتقسيم البلدة التي كانت تمثّل مثالاً للعيش المشترك إلى قسمين: نبحا الدمدوم (عائلات أمهز ـــــ وهبي) ونبحا المحفارة (عائلات كيروز ـــــ حدشيتي ـــــ الضناوي). ويلفت كيروز إلى أن البلدة التي كانت «كلّ عمرها لا تميّز بين المسلم والمسيحي، والتي لا يزال جامع المسلمين فيها كائناً في حي المحفارة، وكنيسة مار مطانيوس للمسيحيين كائنة في حيّ الدمدوم، جرى تقسيمها بطريقة يستغربها الأهالي».
إصدار القرار 462، وإلغاؤه بالقرار 604، هما ما سبّب حلّ البلدية كما يقول كيروز. «وجّه بارود الدعوة إلى الهيئات الناخبة في كلّ من محافظتي بيروت والبقاع في 29 آذار 2010، إلا أنه عمد بعدها إلى إصدار قرار بتاريخ 27 نيسان وجّه فيه دعوة خاصةً إلى الهيئات الناخبة في نبحا ـــــ المحفارة للانتخاب»، مشيراً إلى أن التاريخ الأخير مثّل «الثغرة» التي استغلها أشخاص من اللائحة المنافسة والمدعومة من القوات اللبنانية، وتقدّموا على أساسها بطعن إلى مجلس شورى الدولة، لإبطال الانتخابات وحلّ البلدية».
هل أخطأ بارود وأصدر قراراً من خارج المهلة القانونية؟
يوضح كيروز أن «الثغرة التي استغلتها الجهة التي تقدّمت بالطعن إلى مجلس شورى الدولة في القرار رقم 642، أن الوزير لم يحترم فيه المهلة القانونية لدعوة الهيئات الناخبة»، ويضيف: «لا أريد أن أحمّل ضميري، لكن وزير الداخلية (راجع توضيح الوزير أدناه) رجل قانون ومحام له باع طويل في الأمور القانونية، فهل من الممكن أن يخطئ خطأُ كهذا؟!». في رأيه، وفق مراجعات قانونية: «القانون لا يُلزم الوزير بدعوة الهيئات الناخبة مرةً جديدة لكونه دعاها دعوة عامّة بتاريخ 29/3/2010، وبالتالي فإن ذريعة الدائرة القانونية في القوات اللبنانية التي صاغت الطعن وقدّمته إلى مجلس شورى الدولة، باسم الأشخاص الذين طلبوا تقسيم البلدة إلى قسمين، ليست في محلها القانوني، وخصوصاً أن ذريعتهم كانت أن المهلة قصيرة ولم يتمكنوا من تأليف لائحة». من جهة ثانية، يلفت كيروز إلى أنه «لم تبلَّغ البلدية الطعن نهائياً بغية إعداد ردّ عليه، كما أننا انتظرنا وزير الداخلية طويلاً لإشراكنا في الردّ، وخصوصاً أننا الجهة المعنية».
بناءً على ذلك، تقدّم المجلس البلدي باعتراض أمام مجلس شورى الدولة، وبطلب إلى وزير الداخلية يطلب منه فيه وقف تنفيذ قراره تكليف القائمام القيام بمهمات البلدية إلى حين بتّ الاعتراض. ويبدو المعترضون واثقين من حججهم القانونية التي ضمّنوها اعتراضهم، وفيها «وجوب ردّ مراجعة إبطال القرار المطعون فيه الرقم 642 لعدم وروده كدفعٍ ضمن مراجعة تتعلق بصحة الانتخاب (...) لأن الجهة المستدعية تقدّمت بمراجعة إبطال صريحة وواضحة ومباشرة للقرار المطعون فيه الرقم 642 أمام قاضي الانتخاب، وهذا يخالف قواعد الأصول المتصلة بالنظام العام، لأنه كان على الجهة الطاعنة أن تجعل موضوع المراجعة الأساسي الطعن بصحة الانتخاب أو العملية الانتخابية، وأن تدفع أمام قاضي الانتخاب بعدم مشروعية قرار تعديل قرار دعوة الهيئات الناخبة».
كذلك يرى المعترضون «وجوب رد مراجعة إبطال القرار المطعون فيه الرقم 642 لانعدام أي تأثير له في العملية الانتخابية، فالقانون لا يُلزم الوزارة إلّا بذكر تاريخ العملية الانتخابية وتعيين مراكز الاقتراع فقط، فإذا ما حصلت تغييرات في تركيبة البلديات لناحية التجزئة أو الجمع، واستوجبت إصدار قرار تعديلي جديد، فإن هذا لا يؤثِّر في تاريخ الانتخاب والدعوة إلى إجرائها التي تحدّدت في القرار السابق. ولهذا فإن القرار المطعون فيه الرقم 642 هو بمثابة قرار تعديلي للقرار 503، وليس من شأنه أن يؤثِّر في المهل المقررة في قانون البلديات التي تسري من تاريخ القرار الأول».