المسافة الفاصلة بين الفرن الأول على مدخل أوتوستراد جونية والفرن الرقم عشرين على مخرج الأوتوستراد لا تتعدى الكيلومتر الواحد. أمام كل فرن «موقف لحظة» مرتجل ومخالف، ما يضيّق الأوتوستراد المتحوّل إلى مجرد طريق
ريتا بولس شهوان
هي سوق كاملة بمحاذاة الخط السريع. سوق تعتدي محالّها على «تراجعات الطريق»، أي المسافة الفاصلة بين الأوتوستراد ومحالّ، إضافةً إلى كونها هي شخصياً غير نظامية، ما يجعلها، إلى جانب أزمة السير «الوطنية»، تُفاقم أزمة السير في محيط جونية.
في هذه المسافة القصيرة، يقف أكثر من 15 عنصراً من الدرك، حتى لتكاد تصح معادلة أن لكل محل من تلك المحالّ «دركيّاً». ورغم هذا الحضور الكثيف على طول خط الأوتوستراد، فإن وجودهم لا يحمي مواطنًا أصبح مجبرًا على تأمين طريقه بنفسه، وإطلاق «الزمامير» ضمن خط سير من المفترض أن يكون مؤمّناً. إلا أن الحذر من ضربة خلفية «فجائية»، قد يسبّبها متسوق يخرج بسيارته «خليفاني» من موقف الفرن أو السوبر ماركت، يبطئ حركة السيارات بطريقة تكاد تكون مفجعة. هكذا تحوّل أوتوستراد جونية من خط سريع، إلى خط «يتأتئ»، وبالكاد يؤمّن سير السيارات الآتية من بيروت نحو الشمال وبالعكس... والنتيجة «زحمة» وصراخ وتشنّج وحوادث سير ليلاً ونهاراً وبالجملة، ومحضر ضبط بحق متسوّق اتخذ من الأوتوستراد وتراجعات الطريق «موقف لحظة». الغريب في المسألة أن شكوى الناس، التي نقلها الإعلام في السنوات الماضية، لم تجد آذاناً صاغية.
ترخيص التنظيم المدني للمحالّ مخالف، هل أعمل له مخالفة؟
إلى جانب الطريق، قرب أحد الأفران، يقف عنصر الدرك عاجزاً أمام مشهد فوضى عارمة. يحرّك دفتر محاضر الضبط. يفتح حديثاً مع زوار الفرن. عند سؤاله عن عدم تحريره محضر ضبط بحق مواطن معتدٍ بوقفته على خط الأوتوستراد يقول: «بفكّر ألف مرة قبل ما أعمل محضر لواحد جاية ليشتري ربطة خبز من الفرن. ليش بدي عاقب واحد إذا الكل مخالف على الأوتوستراد؟»، يسأل، ويضيف: «بالأساس التنظيم المدني، يلي رخّص لهيدي المحلات، مخالف، بهيدي المواقف. بعمل كمان لصاحب المحل والتنظيم المدني محضر؟». أصحاب المحالّ على حدود الأوتوستراد، كخليل فضول مثلاً، يجدون أن زبائنهم براء من الزحمة. يغضب خليل عند سؤاله عن سيارة توشك على عرقلة السير إثر خروجها من محيط فرنه، ويطلب عدم إثارة هذه المسألة في الإعلام، باعتبار أن ذلك سيعزز من قسوة الإجراءات التي سيتخذها مجلس الإنماء والإعمار بحق المحالّ المعتدية على الأوتوستراد، وقصده هنا إضافة حائط فاصل بين المحالّ التجارية والأوتوستراد، عند حصول المجلس على قرض من البنك الأوروبي. وهو قرض كان المجلس ينتظره لبدء أعمال توسيع الأوتوستراد، وإضافة خط ثالث إلى خطي السير «وهذا من شأنه «تطيير» مواقف الفرن وباقي المحال، وقطع رزق آلاف العيل»، على حد قول فضول. يؤكد الرجل، الذي تعمق في ملف توسيع الطريق رغبةً منه في الدفاع عن فرنه، بعد شيوع خبر التوسع وإضافة حائط فاصل بين هذه المحالّ والأوتوستراد منذ عدة سنوات، أنه لن يسمح «بتوسيع الطريق إذا كانت مسألة إضافة حائط فاصل بين المحالّ التجارية والأوتوستراد، مثل ضبية، ما زالت مطروحة». «يشبِّر» بيديه. وينتفض مشيراً بإصبعه إلى السوبرماركت المحاذي ويقول: «وهذه كارثة لإلنا كلنا». أما ميشال بعينو، وهو مالك محل على الأوتوستراد، فـيصرّ على أن محله ليس سبب الزحمة. ويقول: «جمعية تجار جونية، منذ خمس سنوات، زارت المحال التجارية على الأوتوستراد وأخذت من كل صاحب محل 250$ (لتوكيل محام) لتضع إشارة على مشروع توسيع الطريق بمجلس شورى الدولة، وبالرغم من كل شي عملنا لنوقف المشروع، ما حدن رد. وليكي مشي المشروع هلق. عم يقولو إنو الحق علينا بالعجقة. ما العجقة بكل لبنان، طلعنا نحنا السبب؟». أوتوستراد جونية، هو الأضيق بين أوتوسترادات لبنان، باعتبار أنه يتسع لخطي سير فقط. تحوّل في فترة الحرب اللبنانية إلى «بولفار»، بعدما كان أوتوستراداً مقفلاً عند إنشائه، في عهد فؤاد شهاب. في الشتاء كما في الصيف، يشكو المواطن همّ «الزحمة». هنا، يجوز التعميم والقول: «الجميع منزعج». يقول طوني متى، من سكان الشمال: «ما في أزعج من عجقة أوتوستراد جونية، ما بتعرف كيف تهرب منها» باعتبار أن هذا الأوتوستراد دوليّ وشريان حيوي، ويربط بين بيروت والشمال. أما جوزفين ديب، التي حاولت الفرار من ضجيج السيارات، و«التزورب»، أي اعتماد الطرق الفرعية لكسروان، فلا تعرف لماذا تقع دائمًا ضحية الزحمة. وجهها يرشح عرقاً. مكيّف السيارة معطل. كل شيء يدعو الى «التعصيب»، تقول: «مش معقول واحد يعلق بعجقة ما يعرف سببها. يقولولنا ليش علقانين بالعجقة. شو السبب؟ السيارات يلي بتصف قدام المحلات أو الطريق الضيقة؟ شو؟». وقعُ كلام إيلي شمعون أقوى، ونبرته فيها حدة أكثر من نبرة جوزفين. فهو خرج للتو، معافى، من حادث سير، مع سيارة كانت تحاول الخروج من موقف الصيدلية على الأوتوستراد. ينتظر خبير شركة التأمين على جانب الطريق. ويقول: «كنت راجع من شغلي ببيروت. مش معقول تنضرب سيارتي، وإتبهدل، لأنو في واحد ما بيعرف يسوق!». ويضيف: «إذا كان توسيع الطريق يريحنا من حوادث السير هذه، من خلال إزالة المواقف المتعدية على الطريق، وخصوصاً إنو الناس ما بتعرف تسوق... فليكن».
يقول رئيس جمعية تجار كسروان، طوني مارون، في هذا السياق إن الجمعية قدمت شكوى على مشروع توسيع الأوتوستراد، بين كازينو لبنان ومحول عجلتون، في إطار مشروع تأهيل الأوتوستراد الساحلي، الممتد من الدورة حتى كازينو لبنان، الذي هو من مهمات مجلس الإنماء والإعمار. هذه الإشارة سببها أن توسيع الطريق حسب ما قال، يشمل إضافة حائط أمام المحالّ التجارية على الأوتوستراد، ومن شأن هذا الحائط «القطع برزق» أصحاب المحال، كما حصل لمحال ضبية. غير أن جمعية تجار كسروان ليست ضد التوسيع، وإن اقتضى الأمر إزالة مخالفات وتعديات المحال التجارية على الخط السريع، فالمواطن يقضي نصف وقته في الزحمة وهذا لا يجوز. «نحنا مع التوسيع، وإزالة المخالفات. بس مش مع إضافة حيط. يعطونا قرار رسمي، بيأكّد لنا أنهم ما رح يضيفوا الحيط. هيك بنمشي بالمشروع» على حد قوله.
أما بالنسبة إلى مسألة توسيع الأوتوستراد وإزالة مخالفات المحال التجارية وتعدياتها على الطريق السريع، فيقول النائب عن كسروان فريد الياس الخازن إن قرار توسيع طريق كسروان، وإضافة خط ثالث، متخذ والدراسة منجزة. كلفة هذا المشروع خمسون مليون يورو، من ضمنها الاستملاكات، ومن شروط هذا الأوتوستراد تأمين طريق بديلة عن الأوتوستراد، لأنه سيُقفَل بسبب الأعمال. أما بالنسبة إلى موضوع مخالفات أصحاب المحالّ على أوتوستراد جونية، فالمخالف تُزال مخالفته، وغير المخالف لا يتأثر، ومعظم المخالفين هم من أصحاب الأفران. ويقول: «هذا الشريان هو الوحيد الذي يربط بين العاصمة بيروت والشمال، المشكلة تمتد من جونية حتى طرابلس. إذا محل مخالف، بيوقف بطريق آلاف السيارات؟».


القدرة الاستيعابية

لفت مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والإعمار إلى أن هدف مشروع توسيع الأوتوستراد الحالي في جونية، الذي يقوم المجلس بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي له لعرضهما على البنك الأوروبي، «يكمن في زيادة القدرة الاستيعابية للأوتوستراد بنسبة 50% على القدرة الحالية خلال ساعات الذروة، ورفع مستوى السلامة المرورية عليه من خلال زيادة مسرب ثالث، وتأمين طرق خدمة جانبية منفصلة عن مسارب سير الأوتوستراد السريع، مصمّمة وفق المعايير الدولية للتخفيف من الاحتكاك الناتج حالياً من دخول السيارات وخروجها عمودياً، من المنشآت المحاذية للأوتوستراد، التي تسبّب إما حوادث اصطدام مع خط سير الأوتوستراد أو عرقلته. وإنشاء جسور للمشاة تسهيلاً لانتقالهم من جهة الى أخرى، دون اضطرارهم إلى عبور مسارب الأوتوستراد. أما كلفة المشروع فمقدّرة بـ45 مليون د. أ. وكلفة الاستملاكات بنحو 15 مليون د. أ. ومن المتوقع البدء بالعمل خلال عام 2012 إذا توافرت الاعتمادات اللازمة.