اتخذ المزارع البقاعي على عاتقه مهمة البحث عن بدائل لزراعاته الخاسرة في ظلّ عدم اهتمام رسمي. في حلقة جديدة من المسلسل المؤسف، يقطع أصحاب البساتين أشجارهم من لوز وكرز ومشمش «لم تزهر في نيسان»، ويبيعونها حطباً للتدفئة
البقاع ــ رامح حمية
عود على بدء. أطنان من أشجار البساتين والكروم البقاعية تُقتَلَع وتُقَطَّع وتُباع لتجار الحطب، في مشهد بات أكثر من مألوف على مدى السنوات الثلاث الماضية. فعلى الرغم من أن سوق بيع الحطب لم يبدأ بعد، إلا أن عدداً كبيراً من أصحاب البساتين والكروم الزراعية في البقاع تخلوا بإرادتهم، وبكثير من الحزم، عن تلك المساحات التي لم تعد عليهم منذ حرب تموز بالنفع والرزق، بل بالخسائر والديون. أما الخطوة اللاحقة، التي تتعلق بماهية الاستثمار الجديد للأرض ونوعيته، فلا تزال «مربكة» بالنسبة إليهم. منهم من ينتظر، ومنهم من يلجأ إلى الاستفسارات والاستيضاحات من مزارعين سبق أن تخلوا عن كرومهم وبساتينهم لمشاريع أخرى، على مبدأ «اسأل مجرب ولا تسأل مهندس». فأصحاب البساتين، على اختلاف أنواعها من لوز وكرز ومشمش وتفاح، وعلى الرغم من الأكلاف الكبيرة التي يتكبدونها كل موسم بغية الحصول على إنتاج وغلة، يكتشفون في نهاية كل موسم أن الأشجار «لم تعد تثمر»، كما يقول محمد حسن قاسم، عازياً ذلك إلى التقلبات المناخية القاسية التي ضربت حتى اليوم سائر المواسم الزراعية، حتى بات المزارع «يتعب في حراثة الأرض ويخسر أدوية وأسمدة، وفي النهاية بياكل هوا. ولا تعويض من الدولة على خسائرنا ولا من يحزنون». اقتلع قاسم 12 دونماً من أشجار اللوز، لأنها «لم تعط في هذا الموسم أيضاً حبة لوز واحدة»، لافتاً إلى أن خطوته هذه جاءت متأخرة عن غيره من المزارعين الذين سبقوه إلى اقتلاع أشجارهم، لأنه كان يأمل أن «تتغير الأمور نحو الأفضل، سواء لجهة الطقس، أو لجهة مراقبة الدولة لتدني أسعار منتجاتنا عند طرحها في السوق، وذلك بفعل منافسة المنتجات الزراعية المستوردة».
بدوره، رأى علي الديراني، صاحب أحد كروم العنب في بلدة قصرنبا، أن الخسائر المتراكمة على مرّ السنوات الأربع الأخيرة، هي الدافع الأساسي لدى المزارعين إلى اقتلاع بساتينهم وكرومهم، مستطرداً بالقول: «منين بدك تلاقيها؟ من الطقس أو التجار وأسعارهم اللي بالأرض أو من الدولة اللي تخلت عنا منذ حرب تموز؟ خلّيها لربك».
من جهته، ترك أحمد الجردي، متعهد قطع الأشجار، بلدته حزرتا متنقلاً بين القرى والبلدات البقاعية وفق «برنامج عمل مسبق جرى الاتفاق فيه مع أصحاب بساتين ينوون التخلص من أشجارها واستغلالها في مشاريع زراعية أخرى»، كما يقول، مشيراً إلى أنه يعمل حالياً على اقتلاع وتقطيع أشجار لوز لمساحة تتعدى 15 دونماً في بلدة العقيدية. حتى الآن، وصلت مساحة البساتين التي اقتلع الجردي أشجارها نحو 300 دونم، معظمها من الكرز واللوز والمشمش. خلال الأيام المقبلة، يستعد المتعهّد لقطع نحو 750 كعب كرز في بلدة بيت شاما، بحسب جدول أعماله المزدحم، علماً بأنه ليس الوحيد الذي يعمل في المنطقة.
«أتعهّد بقطع أشجار البستان بمبلغ عشرة آلاف ليرة على الكعب»، يشرح الجردي الذي يبيع طن الحطب بمبلغ 225 ألف ليرة «واصل على بيت الزبون» كما يقول.
لا يجد المزارعون خطوة اقتلاع الأشجار المثمرة عملاً ربحياً يقصدون من خلاله تحقيق أرباح أكبر بفضل استثمار أنواع زراعية جديدة، بل يجمعون على أن هدفهم يقتصر على التخلص من تلك الزراعات التي تزهر باكراً لمجرد تعرّضها لموجات متتالية من الحرارة والصقيع في فصول غير متوقعة، كما حصل مع أشجار اللوز والكرز بداية العام الجاري، حيث فتك الصقيع ببراعم تلك الأشجار وزهيراتها، ليتركها بدون ثمر. فالبديل لبساتين اللوز والكرز والمشمش سبّب الكثير من الحيرة والإرباك لمعظم المزارعين البقاعيين الذين تخلوا عن بساتينهم وكرومهم، حتى إن بعضهم تريّث قليلاً ريثما يسأل عن البديل الأمثل، كما يؤكد المزارع أحمد فرحات، فهو لا يريد أن يزرع دراق «لأنو بعدو الموسم لليوم بالبساتين بسبب السعر المتدني». وإذا كان فرحات لم يتخذ القرار بعد، فيبدو محمد حسن قاسم قد حسم خياره وقرر غرس نصوب «خوخ الجوهرة» مدافعاً عن فكرته بحجج «أبسطها إنو بعيدة عن موسم الصقيع».
لقد بات الإرشاد الزراعي ضرورة ملحّة في ظل الخسائر التي يتعرض لها المزارعون نتيجة التقلبات المناخية المفاجئة، التي لا يملكون تجاهها أية معلومات، سواء في ما يتعلق بوسائل الوقاية منها، أو بالطرق التي من الممكن اعتمادها لمواجهتها ومكافحتها، بالإضافة إلى أن أعمال القطع تأخذ منحى تصاعدياً منذ عامين، والمزارعون ليس لديهم أدنى فكرة عن نوعية الغِراس التي من الممكن أن تعود عليهم بالربح والإنتاج إذا ما استمر التقلب المناخي.