رامي زريقعرف العالم في السنوات الخمس الأخيرة تحولاً جذرياً في قضايا الغذاء، عُمّمت بموجبه الاهتمامات بمستقبل الأمن الغذائي، وخصوصاً بعد أزمة الغذاء العالمية. ومع تفاقم التأثيرات السلبية للتبدل المناخي، التي ترافقت مع إطلاق يد الرأسماليين وأصوليي الأسواق «الحرة» وانضمام الصين إلى المجتمعات الاستهلاكية، وعولمة النظم الغذائية، بدأت تنقشع ملامح أزمة قد تغيّر من طبيعة علاقة البشر بغذائهم. فمع كل سنة قحط يتهاوى خلالها إنتاج أغذية أساسية كالقمح والأرزّ، تفيض التقارير التي تنبّه إلى أن العالم بحاجة إلى المزيد من التكنولوجيا لمواجهة الكارثة المقبلة. من جملة الحلول المطروحة إطلاق «ثورة خضراء» على يد الشركات العملاقة، ترتكز على إدخال أنماط جديدة من الإنتاج الزراعي إلى البلدان الفقيرة، تؤدي التقنيات الحيوية فيها دوراً أساسياً، ولا سيما الكائنات المعدلة وراثياً، التي لا يملك معرفة وحقوق إنتاجها إلا حفنة من الشركات العابرة للقارات التي تعمل بالتنسيق مع الحكومات الغربية، وخاصة مع الولايات المتحدة، ومع المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الدولي والمؤسسات «الخيرية» المنبثقة من الشركات العظمى كمايكروسوفت لصاحبها بيل غيتس. أما عن التقنيات الأخرى، فقد يبدو بعضها كأنه ينبع من قصص الخيال، مثل ما ورد في تقرير مؤتمرٍ غطّت صحيفة «الغارديان» البريطانية وقائعه، وأشار في خلاله عدد من العلماء إلى أن العالم سيُرغَم على التحول من أكل اللحوم الحيوانية إلى تلك الاصطناعية التى بدأت بعض الشركات تنتجها.
لنأخذ نفساً عميقاً، ولنُعِد التفكير بهدوء. هل هذا هو العالم الذي نريد العيش فيه؟ عالم فقد فيه البشر ارتباطهم بمحيطهم بعدما سبق أن فقدوه في ما بينهم؟ على أحد ما أن يواجه من يعمل على تحويل قصص الخيال إلى قصة رعب.