عمر نشابة تستوجب أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية التحقيق مع جميع الجهات التي يمكن أن تكون ضالعة في الجريمة. وبالتالي لا يفترض أن يتجاهل المدعي العام الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري أو غيره من المعنيين بالتحقيق الدولي احتمال ضلوع إسرائيليين في الجريمة.
دانيال بلمار يكرّر خلال إطلالاته الإعلامية أنه لن يكشف عن مضمون التحقيقات أو عن الجهات المشتبه فيها والتي يعتزم اتهامها بالضلوع في الجريمة، كما لا يكشف عن هوية الشهود. غير أن الرجل سمح لنفسه أخيراً، خلال مقابلة أجراها معه موقع إلكتروني إخباري، بالإجابة عن سؤال يتعلّق بمضمون المقابلات التي أجراها المحققون مع أشخاص من حزب الله. وعندما سئل عن مجرّد احتمال إجراء المحققين مقابلات مع إسرائيليين أو أشخاص موجودين في إسرائيل رفض بلمار الإجابة بحجّة أن الإجابة تدخل في سرّية التحقيقات الجارية. بذلك أكّد المدعي العام الدولي اعتماده ازدواجية المعايير أو سياسة الكيل بمكيالين، إذ يفترض، بالحدّ الأدنى، أن يعتمد المساواة في التعامل مع إسرائيل ومع حزب الله.
هنرييتا أسود، المتحدّثة باسم المدعي العام الدولي (عُيّنت أخيراً في هذا المنصب)، كانت شاهدة على جرائم إسرائيلية بحقّ نساء حوامل في فلسطين، فهل تدافع عن ازدواجية معايير بلمار التي تشبه الى حدّ ما ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع القضايا العربية المحقّة في فسلطين ولبنان خاصة؟ ألا يحقّ للعرب أن تطبّق بحقّهم نفس المعايير التي تطبّق بحقّ الاسرائيليين؟
بعد قراءة موقف أسود من الممارسات الاسرائيلية (http://www.unfpa.org/public/site/global/News/pid/310)، لا بد من التذكير بأن لدى إسرائيل أقوى جهاز استخبارات في المنطقة وأن طائراتها التجسّسية والحربية لا تكفّ عن التحليق في الأجواء اللبنانية، وعملاؤها وجيشها ارتكبوا مئات الجرائم بحقّ الاطفال والنساء والشيوخ في بيوتهم والمستشفيات وسيارات الإسعاف. وهناك آلاف القرائن تضاف الى القرائن التي قدّمتها هنرييتا أسود في تقريرها، تثبت مئات الجرائم الإرهابية الإسرائيلية. ويمكن أن يجمعها بلمار إذا أراد أن يضع خلفية جدّية محايدة للجريمة الإرهابية التي وقعت في 14 شباط 2005. لكن يبدو أنه استعاض عن ذلك برفضه الإجابة عن سؤال يتعلّق باحتمال اعتبار إسرائيل مجرّد شاهد في جريمة اغتيال الحريري.
أيستبعد بلمار أن يكون من يتحمّل المسؤولية الجنائية لموت الجنين في بطن أمّه في عديد المشتبه فيهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ السؤال ليس موجّهاً الى المدعي العام الدولي، إذ إن المرجّح ان يرفض الإجابة بحجّة أن الإجابة تدخل في سرّية التحقيقات الجارية... ولعلّ الحجّة الأكثر إقناعاً هي خشيته من الإجراءات التي ستُؤخذ بحقه إذا فعل. فليسأل ريتشارد غولدستون وكريستين تشينكن عما تعرّضا له بعدما تجرّآ على تحميل إسرائيل بعضاً من مسؤولية المجازر بحقّ أطفال غزّة.