تعليم الفلسطينيين في لبنان بألف خير». كانت هذه «نكتة الموسم» التي سمعها، أمس، الناشطون التربويون الفلسطينيون من مدير التعليم في «الأونروا» وليد الخطيب. فالرجل بدا مقتنعاً بأنّ شعار «التنمية البشرية» الملتبس لا يتعارض مع الهوية الفلسطينية
فاتن الحاج
من يسمع وليد الخطيب، مدير برنامج التعليم في الأونروا، يحاضر عن الخدمات التعليمية للوكالة في لبنان ودول الشتات، يصدق فعلاً أنّ التلامذة الفلسطينيين نالوا كل حقوقهم البديهية بتوفير مقعد دراسي لكل منهم، ونوعية تعليم جيدة يحلمون بها، وأنّه لا مشكلة في التسرّب المدرسي الذي بات يطال 39%، بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، «ما دمنا نحنا والبلد (يقصد لبنان) بالهوا سوا وما هو حاصل عندهم مش أحسن من عنّا!». ثم يسهب المسؤول الفلسطيني في تفاؤله ليقول إنّ «معدل نجاح تلامذتنا في الامتحانات الرسمية أعلى بكثير من المعدّل العام للطلاب الذين يتعلمون في المدارس اللبنانية». لكن هل نتائج هذه الامتحانات مؤشر على المستوى التعليمي للطلاب؟ لا نعرف. لكنّ أصواتاً خرجت من القاعة لتقول: «شو هالحكي؟!».
الخطيب كان يتحدث في اليوم الثاني لمنتدى «التعليم كأساس للتنمية: تحديات الشعوب في ظل الاحتلال» عن سعي الوكالة إلى «التحول في سياساتها التربوية من التشغيل والإغاثة إلى التنمية البشرية»، مبشراً بإنهاء نظام الدفعتين (دوام قبل الظهر وبعده) في العام الدراسي 2012 ـــــ 2013. ومن العناوين التطويرية للمرحلة المقبلة، كما يقول، تدريب المعلمين قبل الالتحاق بالتدريس وخلاله، اعتماد برامج الصحة المدرسية والتوجيه والإرشاد والدعم المدرسي خارج الدوام. لكن الخطيب لم يتوقف كثيراً عند الصعوبات التي تواجه العملية التعليمية، مكتفياً بالقول: «بتحبوا تسألوا لجاوبكم وبقلكن شو عم نساوي لتذليلها؟».
مداخلة الخطيب أثارت نقاشاً واسعاً في أوساط المشاركين من ناشطين تربويين وأعضاء في المجتمع المدني الفلسطيني. وعندما سئل عمّا إذا كان سيُلغى الترفيع الآلي من مدارس الأونروا تماماً كما حدث في المدارس الرسمية اللبنانية، لم يكن يملك جواباً شافياً، إذ قال: «نحن في تنسيق دائم مع وزارة التربية، كذلك فإننا في الوكالة نعتمد منذ زمن بعيد برنامج الدعم المدرسي قبل أن تستحدثه الوزارة». وعن الفجوة في التعليم بين الروضات والمرحلة الأساسية، يلفت إلى أننا «نعد كتباً باللغة العربية ستكون أدلة للمعلمين لتقليص التفاوت بين المرحلتين». وينفي الخطيب أن تكون هناك فوارق في مناهج الدول العربية، «وباستطاعتها خلق جيل عربي ذي رؤية موحدة تجاه الهوية الفلسطينية»، على حد تعبيره.
د. أنيس الحروب، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، قدم مقاربة مختلفة للتسرّب المدرسي للطلاب الفلسطينيين، بناءً على دراسة قام بها لمصلحة الأونروا نفسها، يتساءل فيها طفل من مخيم شاتيلا عن إمكان التحاقه بالتعليم، فيما يفرض عليه والده العمل معه من 3 إلى 4 ساعات في اليوم لتأمين معيشتهم. وتقرّ طفلة من مخيم عين الحلوة بأنّها أجبرت على الالتحاق بمركز خاص لدراسة الشريعة الإسلامية، وتتحدث عن زميلها في الصف السابع أساسي (الثاني متوسط) بأنّه فضّل العمل مع إحدى المجموعات السياسية براتب قدره 300 ألف ليرة لبنانية لمتابعة تحصيله التعليمي.
ومن أسباب التسرب التي يذكرها الحروب عمل الأطفال في سن مبكرة، تأثير الزواج المبكر، نظرة الطلاب للمدارس باعتبارها لا توفر التعليم الجذّاب، اكتظاظ عدد الطلاب في الصفوف، العلاقة المتوترة بين المعلمين والطلاب، الترفيع الآلي وغيرها. لا يوافق ياسر داوود من جمعية نبع الفلسطينية أن يكون الزواج المبكر سبباً للتسرب؛ فهو «شمّاعة نعلّق عليه المشكلة». وسأل: «هل الثُّغَر في المناهج التعليمية، أم في المحيط أم المجتمع المحلي الذي يعيش فيه الفلسطينيون، حيث تغيب الحوافز، ما يدعو إلى تصميم برامج تدخل تربوية مناسبة؟».
هنا، يبدو أنّ برامج التدخل النفسي والاجتماعي لأطفال ما بعد الصدمات هي الأكثر حضوراً، ولا سيما في مخيمات الشتات. تروي المعالجة النفسية الفنلندية، كيرستي بالونين، تجربتها مع أطفال المخيمات اللبنانية بالتنسيق مع جمعية أطفال بيت الصمود. لا تزال تذكر جيداً إجابة أحد أطفال مخيم شاتيلا عن سؤال لصحافية فنلندية «ماذا تعني لك فلسطين؟» حين قال: «أشعر بأنّ هناك فجوة في قلبي». يعكس هذا الكلام، كما تقول الاختصاصية الفنلندية، الحاجة إلى الوطن الأم ومعرفة تاريخه وجغرافيته. لكن السؤال الذي تطرحه بالونين «هل تدركون كمية الآلام التي سننقلها إليهم عندما نحدثهم عن تاريخ فلسطين؟». وتشير إلى أنّ المنهجية التي اتبعوها تكمن في إعطاء فرصة للأطفال الفلسطينيين ليتشاركوا رواياتهم بشأن التاريخ الفلسطيني، وهو أمر لا تفعله مدارس الأونروا. وتؤكد أهمية أن «نصغي إليهم وهم يعبّرون عن رؤيتهم مهما كانت بسيطة». تقول تجربتها في المخيمات إنّ الأطفال يحتاجون إلى البكاء على فقدانهم أفراداً من عائلاتهم أو حتى أشيائهم الحميمية، ولا سيما الألعاب والحيوانات الأليفة. لكن ما يحصل، كما تقول، أننا «نعطيهم خيارات جاهزة وندعوهم للانتقاء بينها»، بينما يكون البديل، برأيها، أن «نسأل الطفل ما إذا كان يريد أن يخبر قصته ثم ندوّن هذه القصة، وبعدما ننتهي نقرأها عليه ونعطيه الفرصه لإجراء التعديلات التي يبتغيها». «في المخيم»، هي الإجابة التي قدمها أحد الأطفال حين سئل «أين يجد الأمن والأمان»، ما يعني، بحسب بالونين، أهمية تعزيز وكالة الأونروا لوجود اختصاصيين في الصحة العقلية والنفسية في مدارسها. وتستند هنا إلى بعض الدراسات التي تشير إلى أنّ هناك علاقة بين المهارات الحركية والمعرفية، والأطفال يتعلمون في أوقات اللعب أكثر من أوقات الدراسة.


الهوية الفلسطينية