بعدما انتخبها اليونانيّون ملكة الأشجار لقدرتها على تحمّل أقسى العوامل الطبيعية، كادت شجرة الزيتون أن تتخلى عن عرشها لما يفتك بها من أمراض، بدأت مصلحة الأبحاث العلمية تواجهها أخيراً باعتماد تقنيّة تجذير العُقَل الغضّة
مايا ياغي
تحتل شجرة الزيتون في لبنان مرتبة عالية من حيث مكانتها في التراث الغذائي، إذ تعدّ إحدى أهم الزراعات البعلية، وتمثّل حيّزاً مهماً في دخل شريحة واسعة من المزارعين، فهي الشجرة الأكثر إنتاجية في مقابل القليل من العناية التي تحتاج إليها، وخصوصاً بالنظر إلى الطرق الجديدة في استثمار كل ما ينتج منها: ثمار للزيت والزيتون، وجفت للتدفئة.
يُعدّ الزيتون في لبنان ثالث قطاع زراعي من حيث المساحة المزروعة. إلا أن الموسم الحالي لم يكن مرضياً لجميع المزارعين. فالتقلبات المناخية وعدم هطول الأمطار، بالإضافة إلى الأمراض التي فتكت بالشجرة، كعين الطاووس أو ذبابة البحرة المتوسط، قد أسهمت في تراجع الإنتاج. لذلك، أصبح من الضروري اعتماد تقنيات جديدة في زراعة الزيتون، تسهم في رفع الإنتاجيّة وتحسين صحة الشجرة.
تاريخياً، اعتمد المزارعون أساليب تقليدية لزراعة النصوب الجديدة من الزيتون، تناقلتها الأجيال مع بعض التعديلات عليها. من تلك الأساليب، زراعة البذرة، أو الفسائل، أوالقرميات، التي غالباً ما تُعتمَد لإنشاء مساحات زراعية صغيرة، وخصوصاً أنها تتطلب وقتاً طويلاً لتثمر، يترواح بين سبع إلى عشر سنوات، يتكبد المزارع خلالها جهداً وكلفة لا تقابلهما أي استفادة مادية. حالياً، تعتمد المشاريع الاستثمارية الزراعية تقنية جديدة في الزراعة، وهي التجذير بالعُقَل الغضة.
عُرفَت تقنية الإكثار بالعُقَل الغضة منذ عام 1954 في الولايات المتحدة، لتنتقل، بعدما أثبتت نجاحها، الى الإيطاليين عام 1960. حالياً تُعتمَد هذه التقنية في منطقة صور، حيث عمّمتها مصلحة الأبحاث العلمية، ويبدي المزارعون إعجاباً بنجاحها، وتحديداً على الأصناف الصورية من الزيتون، حيث حقّقت نجاحاً بنسبة خمسة وتسعين بالمئة. بالإضافة إلى ذلك، ينوّه المزارعون ببساطة تلك التقنية وفعاليتها، فهي تتميّز بقصر الفترة الزمنية لإنتاج الغراس وبقلّة تكاليفها، مقارنة مع أساليب الإكثار بالبذر أوالتطعيم. يشرح علي عواضة، صاحب مشتل الزيتون في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في صور، المراحل العملية لتقنية تجذير الزيتون بالعقل الغضة، بادئاً بالمرحلة الأولى التي يجري خلالها اختيار النباتات الأمهات من حقل خاص تكون قد زُرعت فيه لهذه الغاية، وبُنِّدَت فيه سنوياً أيضاً، بغية منعها من حمل الثمر. وبعد أن يتمّ التأكد من سلامتها وجودتها، يجري اختيار الأغصان نصف الخشبية التي تكون بعمر سنة تقريباً، وتُستخدَم المنطقة من الأسفل إلى الوسط فيها (لأن الجزء الأعلى يكون طرياً جداً). تُقطَع تلك الطرود الى عُقل بطول خمسة عشر سنتيمتراً، وتُترك عليها أربع أوراق للمحافظة على عملية التمثيل الكلوروفيلي. ويجب ألا تتجاوز عملية أخذ الطرود وزراعة العقل ثماني وأربعين ساعة.
أما المرحلة الثانية، فهي المعاملة بالهرمون، تسبقها عملية تغطيس العُقَل بمبيد فطري للاحتياط من أي أمراض، بعدها يُغمَّس أول سنتيمترين من أسفل العقل بمحلول هرموني، هو عبارة عن خليط لحمض «أندول بوتيريك» مع كحول مطلق وماء مقطّر بنسب محددة، لمدة خمس ثوانٍ.
بعد هذه العملية، تصبح العُقل جاهزة لوضعها في «أحواض برليت»، أو غرفة «العناية الفائقة» كما يسميها عواضة، وهي أحواض مصنوعة من الرمال الناعمة التي من شأنها حفظ الغذاء والرطوبة في العقلة، تصل حرارتها إلى 24 درجة مئوية، وتودع في غرفة زجاجية تصل حرارتها إلى 22 درجة، وفي جوّ تصل الرطوبة فيه إلى 90% .
تترك العقل في الأحواض، بعد تأمين الشروط المطلوبة من ضوء وغذاء وحرارة ورطوبة لمدة 25 يوماً، يبدأ بعدها ظهور انتفاخ عند قاعدة العقلة. وفي اليوم الأربعين، تبدأ الجذور بالخروج، وفي اليوم الخمسين، تصبح العقل المجذّرة جاهزة للتقسية، فتُقلَع من الأحواض وتزرع في أكواب من «جيفي بوت»، وهو نوع من الكرتون، تكون مليئة بخلطة ترابية مفككة وجيدة التهوئة، ومركّبة بحسب المعدلات الآتية: نصفها سماد بلدي متخمر وربعها رمل، بينما ربعها الآخر تراب أحمر. تُروى العُقل باستمرار، ثم يُعمد الى تخفيف عمليات الري تدريجاً. بعد خمسة وعشرين يوماً من وضعها في مكان التقسية، تُزرَع العقل في أكياس نايلون، وتكون في حينها قد أصبحت نبتة عادية قادرة على الاعتناء بنفسها، مع بعض الرعاية لمدة سنة ونصف تقريباً، لتصبح جاهزة وتُقدَّم للمزارع. ويبدأ إنتاج شجرة الزيتون هذه بعد ثلاث سنوات من زراعتها بمعدل عشرة كيلوغرامات من الثمار سنوياً، وفي السنتين الرابعة والخامسة يصل إنتاجها الى أربعين كيلوغراماً.