تُختتم اليوم ورشة عمل تدريبيّة، بعنوان «منع التعذيب ومراقبته في لبنان»، بإشراف جمعية «ألف ــ لحقوق الإنسان» وتمويل من سفارة هولندا. الورشة بدأت يوم الثلاثاء ببرنامج يُختتم اليوم، تناولت في يومها الأول مسألة التعذيب لدى السلطات الرسمية وموقف القوانين الدولية والمحلية منها
رضوان مرتضى
الأنظار مشدودة باتجاه واحد. جميعها تتطلّع حيث يجلس ذلك الرجل بشعره الأشعث وقد قُيّدت يداه الى كرسيّ في غرفة التحقيق. يقترب منه المحقّق هامساً في أُذنه تحديد موقع ما، يرفض الموقوف الاستجابة فيقطع المحقّق إصبعاً من أصابع يده ليجبره على الكلام. يرتفع صراخٌ شديد، يترافق مع انزعاج واضح لدى الحاضرين الذين هالتهم قساوة المشهد. يتدخّل أحدهم لوقف ما يجري، لكن دون جدوى. تبدأ دورة أخرى من التعذيب، يوضع كيسٌ في رأس المشتبه فيه الذي يوشك أن يختنق. يقترب منه المحقق مجدداً، نازعاً الكيس ليتيح له التنفّس. يلتصق به ويهمس مجدداً، مكرراً سؤاله عن الموضوع نفسه. يصمت الموقوف دون أن ينبس بكلمة، لكن المحقق يغرز شيئاً في جسده، فيرتفع صراخٌ ترتعد معه أحاسيس الحاضرين. تُغطي إحداهنّ وجهها كي لا ترى ماذا يجري، فيما يُكمل آخر التحديق بنظرات متألِّمة. الانزعاج كان مقصوداً، فالأحداث المذكورة جسّدها مشهدٌ من فيلم مصوّر، أراد عارضوه اختصار معاناة يقاسيها كل من يتعرّض للتعذيب ليستفزّوا به مشاعر الأشخاص الذين جاؤوا للمشاركة في برنامج تدريبي بعنوان منع التعذيب ومراقبته في لبنان. أما المشاركون فكانوا محامين وإعلاميين وممثلين عن الجمعيات الأهلية. انتهى العرض الذي لم يتجاوز الدقيقتين لتبدأ بعده ورشة العمل. تحدّث الأستاذ المحاضر المحامي رولان طوق، معلّقاً على المشهد المعروض، فرأى أن العناصر التي ظهرت في المشهد تُمثّل أولئك الموجودين على أرض الواقع. عدّد المحامي طوق العناصر، فبدأ بالمحقّق الذي يأخذ دور المعذِّب، ثم كان الكلام عن الضحية وهو الشخص المعذَّب، وهناك صاحب السلطة الذي سمح بالتعذيب، وأخيراً كان هناك من يحاول وقف التعذيب ومنعه، ولفت طوق الى أن العنصر الأخير قد يكون «أي واحد من الحاضرين».
بدأت ورشة العمل بسؤال عن ماهية التعذيب. وطُرح سؤالٌ آخر عما إذا كان الضرب يُعدّ نوعاً من التعذيب أو لا؟ أُثير الكثير من الجدل، وسط آراء مؤيدة ومعارضة، قبل أن يأتي الجواب بأن الضرب ليس تعذيباً. كذلك جرى البحث عن تعريف التعذيب في القانون الدولي والمحلي ليتبيّن عدم وجود تعريف له في النصوص القانونية المحلية. عرض المحامي طوق تعريفاً للتعذيب، فقال إنه الفعل الذي يحصل عمداً من شخص ذي سلطة ويُسبّب ألماً شديداً للشخص الممارس ضدّه.
توسّع النقاش ليطال البحث عن أسباب التعذيب والقصد منه، وجرى التطرّق الى مصادر تجريم التعذيب فتبيّن أنه لا وجود لمادة تُجرّمه في قانون العقوبات اللبناني، لكن هناك مراجع دولية تفعل ذلك كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب التي انضم إليها لبنان عام 2000. كذلك عرّج المجتمعون على مسألة ترحيل الأجانب الذين يُرحّلون، فاعتُبر أن ذلك يدخل في إطار التعذيب. وجرى التركيز على مسألة برنامج حماية الشهود غير المطبّق في لبنان.

ليس هناك تعريف للتعذيب في النصوص القانونيّة المحليّة

وتحدّث المحامي طوق، متسائلاً عن احتمال إبطال الاستجواب إذا جرى بالإكراه وتحت وطأة التهديد والتعذيب، ليخلص الى أنه لا إبطال دون نص. كذلك جرى التطرّق الى المادة 42 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على الحق بالتزام الصمت، فأشار المحامي طوق الى أن الثقافة السائدة في بلادنا تُهمل هذا الحق دون التفات الى أنه لا يحق لأي كان إكراه شخص ما على الكلام. وكان هناك نقاشٌ حول وظيفة الطبيب الشرعي في إجراء الكشف على الموقوف الذي يكون قد تعرّض لأي نوع من التعذيب، فذُكر بأنه يُشترط حضوره للمعاينة دون حضور الضابط العدلي.
نوقش العديد من المسائل في اليوم الأول للبرنامج التدريبي على أن يستكمل اليوم، لكن كل هذه النقاشات، وفق المحامي المحاضر، ليست سوى مقدمة تعطي لمحة عن مفهوم التعذيب لتمهيد الطريق لمعالجات جدية وعملية عبر بناء شبكة تواصل بين المشاركين في الورشة وجمعية «ألف» لمراقبة حالات التعذيب وملاحقتها في لبنان.


لقطة

ذكر مسؤول أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» أنه أُلّفت لجنة خاصة لمتابعة موضوع التعذيب في السجون والنظارات ومراكز التوقيف والتحقيق وغرف التأديب.
وأشار المسؤول المذكور الى أنها تألّفت من عدد من الضباط في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي برئاسة العميد شربل مطر، لمتابعة ملف التعذيب منذ نحو شهرين. وذكر المسؤول الأمني أن أعضاء اللجنة عقدوا عدة اجتماعات حضر بعضها اللواء أشرف ريفي خلال الفترة الماضية، وستقدَّم اقتراحات عملية بشأن ما يُفترض فعله لمكافحة التعذيب، ومنعه في مراكز التوقيف، لافتاً إلى أن هناك جهوداً عديدة تُبذل في هذا السياق للحد من الممارسات اللاإنسانية، تمهيداً للوصول إلى منع كامل لهذه الظاهرة. وفي هذا السياق، يُذكر أنه استُحدث مكتب لحقوق الإنسان في المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي بقيادة الرائد زياد قائدبيه.