أحمد محسنلم تختلف طبيعة نقاشات الجلسة الثانية في اللقاء اليساري العربي، أول من أمس، عما كانت عليه في الجلسة الأولى («الأخبار» 1251 السبت ٢٣ تشرين الأول ٢٠١٠). لم يجد المتناقشون مفراً من الخلط، مجدداً، بين المحاور الثلاثة للقاء. هكذا، حضر موضوع الحريات العامة والديموقراطية، ضيفاً عزيزاً على مداخلات اليساريين العرب، ليمتزج بالأفكار السابقة لهؤلاء، عن «مواجهة الامبريالية» و«تفعيل العلاقة مع الطبقة العاملة». أما عن الديموقراطية، الموضوع الرئيس للجلسة التي اختيرت لختام الحوارات، فكانت الشواهد أكثر من غيرها بكثير.
أحوال العرب ويسارهم، لا تطمئن أبداً على صعيد الحريات. في تونس الخضراء، مثلاً، الديموقراطية بلا طعم ولا لون. الحادثة «القمعية» الأخيرة هناك، كانت منذ أسبوع واحد فقط، كما أعلن مشاركون من حزب العمال التونسي. خرجت تظاهرة طالبية للمناشدة ببعض المطالب الاقتصادية، فقمهعا العسكر. وللمناسبة، الحزب سريّ، وأعضاؤه عرضة للاعتقال التعسفي في أي لحظة. وفي موازاة سخط ممثل حزب العمال من الاستخفاف بمسألة الحريات، أعلن «رفيق» تونسيّ آخر، تواق للديموقراطية، أن «اشتراكية اليوم يمكن أن تكون ديموقراطية». وفي هذا القول اعتراف ضمني بأهوال الدكتاتورية التي طغت على أداء الأنظمة الشيوعية والاشتراكية قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. لا بأس. ففي النهاية، بالنسبة إلى اليساريين، العدو الأساسي ما زال موجوداً. الإضافة الجديدة في أدبياتهم، كما برز واضحاً في أكثر من مداخلة، هي الإصرار على ضرورة إعلان العداء الواضح للأنظمة العربية الشمولية، وخصوصاً أن اللقاء يُعقد في بيروت. بعض اليساريين ما زال يعتقد أن النظام اللبناني ديموقراطي. فجئ بعض هؤلاء أن اللبنانية المتزوجة من غير لبناني لا تستطيع أن تمنح الجنسية إلى أولادها. وفي السياق نفسه، نالت الحركات الإسلامية نصيبها من غضب اليساريين، إذ انقسمت المداخلات بين مؤيد للتحالف مع قوى إسلامية ديموقراطية، فيما وجد آخرون هذا الأمر مستحيلاً، انطلاقاً من الخلاف الطبيعي مع هذه الحركات، التي تعد العلمانية حرباً على الإسلام.
الشفيع خضر، عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوداني، أشار إلى أن الشيوعيين السودانيين نجحوا في إحداث اختراق في بلادهم، قضى بالتفاهم مع الإسلاميين على مصطلح «المواطنة» بديلاً عن العلمانية والتطرف الديني، في مقابل الوحدة ضد النظام. لبنانياً، هناك تفاهمات، والمصطلح مألوف هنا أخيراً. لكن، اليساريين اللبنانيين مشغولون بأمور أخرى. وكما قال ألكسندر عمار، من الحزب الشيوعي اللبناني، ينبغي الآن النظر بواقعية إلى الديموقراطية، كما هي حالياً، وليس بوصفها «مهمة ثورية» كما كانت منذ عشرين عاماً. ورغم هذه الفواصل «الأيديولوجية»، ألقت ليندا مطر مداخلة، شكرت فيها الحزب الشيوعي اللبناني، والأحزاب اليسارية العربية، على دورهم التغييري، ومناصرتهم لقضايا المرأة، سكتت قليلاً، وسألت الحاضرين: أين الرفيقات؟ أين اليساريات؟ أين الديموقراطيات؟ ذلك أنه لم يكن في الوفود الزائرة إلا فتاة واحدة من سورية.


تمهل محمود

كان من الواضح أن الحاضرين في اللقاء اليساري العربي الذي ينظّمه الحزب الشيوعي اللبناني في بيروت لم يكونوا مستعجلين لإصدار «وثيقة» أو توصيات عن الاجتماع، واستمهل خالد حدادة الصحافيين الذين شكرهم على متابعتهم «يومين تلاتة» لصياغة «بيان مقتضب» عما وصل اليه الاجتماع، مع العلم أنه اتفق على تكليف منسق، هو الحزب الشيوعي اللبناني، بالإعداد لاجتماعات لاحقة في السياق ذاته للتوصل إلى خلاصات منطقية ومعقولة للنقاشات. وعلى الهامش، استغرب مشاركون في اللقاء عدم توجيه الدعوة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، مستغربين بالقدر نفسه عدم حضور شخصيات يسارية وجهت الدعوة إليها، منهم الكاتبان فواز طرابلسي وسليمان تقي الدين.