نادين كنعان
على مرأى من جمال عبد الناصر ومعروف سعد، كان اللقاء. جلس أسامة سعد إلى طاولة الاجتماعات في مكتبه، كمن يترأس جلسة عمل، وبدأ يتكلّم بإسهاب. كأنّه كان يتوق إلى حديث يبتعد فيه قدر الإمكان عن السياسة. من النادر أن ترى «الحكيم»، كما يناديه أهل صيدا (جنوب لبنان)، يقاطعك. لكن عندما يتعلق الأمر بمدينته، ومعروف سعد، والنضالات، والطفولة، وشقاوة الصبيان، يتخلص أبو معروف من خجله وتحفّظه. في جعبة رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أحداث يصعب اختصارها في كلمات. إنّها ليست ملكه وحده، بل هي ذاكرة صيداوية لبنانية جامعة أثقلت كاهله بعض الشيء، وأبعدته عن أحلامه، «لكن من يستطيع التخلي عن جزء منه؟».
قبل وفاة والدته، شفيقة البزري، بثلاث سنوات، ولد الابن الرابع لمعروف سعد، في السادس من حزيران (يونيو) عام 1954. لم يفتقد أسامة سعد شعور الأمومة كثيراً، لأنّه تربى في ظل عناية خالاته وجدته لأمّه. تميّزت طفولته بالتنقل المستمر بين صيدا وجزين والمتن، بسبب ضيق حال والده، وانشغالاته السياسية الدائمة. سكن وإخوته مع آل صندقلي في منزلهم في قرية الخنشارة (المتن) ومع آل الزين، وآل الفيل في جزين وحارة صيدا... «عندما خسر معروف سعد منزله في سينيق، جنوبي مدينة صيدا، جرّاء مشروع توسيع الطريق، لم يكن لديه المال ليشتري آخر. أسكننا في منزل عمتي مريم في بكاسين وبقينا فيه إلى حين استشهاده». جعله التنقل منفتحاً على الآخرين، وعرّفه إلى بيئات وعادات مختلفة.
يسرح أبو معروف قليلاً، وتلمع عيناه وهو يبحث عن عبارة يصف بها نفسه حين كان طفلاً. «لقد كنت عنيداً جداً»، يقول. يمدّ يده اليمنى، كمن يبحث عن دليلٍ على ما قاله. يرفع كمّ قميصه قليلاً، ليدل على آثار جرح كبير على ذراعه. أرادت المعلمة معاقبته، فأوقفته إلى جانب الشباك. وعندما حاول أحد زملائه الموجودين في الملعب استفزازه، أصرّ على ضربه، لكنّه لم يستطع الإفلات من العقاب، فلكم الواجهة الزجاجية!
أحبّ أسامة سعد جدّته لوالده كثيراً. «كانت مقعدة، أصيبت في الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1956. ومن بين إخوتي، أنا مقرّب جداً من شقيقتي وفاء». أما منى، أخته الكبرى، فهي بمثابة والدته. «منى تهتم بالآخرين أكثر من نفسها، إلى درجة أزعجت والدي». جمعته بشقيقه مصطفى الذي يكبره بخمس سنوات علاقة مميزة، رغم أن الأخير كان أكثر منه شقاوةً بكثير. ولأسامة أيضاً ثلاث أخوات؛ شقيقته جميلة، وأختاه شهناز ورولا من زوجة والده الثانية السيدة لطيفة قطيش.
لم ينبهر الابن يوماً بفكرة أنّ والده هو المناضل والقائد السياسي معروف سعد. «كان أبي مع الناس كما في المنزل، عفوياً إلى أقصى الحدود. لم تغيّره الظروف، وبقي ابن البستنجي محافظاً على انتمائه إلى ماضيه حتى آخر يوم في حياته. علاقة «أبو الفقراء» بالجميع كانت ذاتها، فالصياد والعامل والنائب والمهندس والطبيب كانوا جميعاً سواسية عنده». كان سعد الأب يحفّز أولاده على قراءة الكتب بكل أشكالها. أرادهم أن يتعلموا، لأنه ترعرع في كنف عائلة لم تستطع تعليم كل أولادها. درس سعد في مدرسة «المقاصد الإسلامية»، ثم انتقل إلى «مدرسة الاتحاد الوطني». وفي مرحلة من حياته، اختبر المدارس الداخلية. تابع دراسته في ثانوية الصبيان في عين الحلوة. «كنت أذهب إلى المدرسة وأعود منها سيراً على الأقدام».
قرّر دراسة الطب رغبة منه، وتلبية لطلب والده في آن، فسافر إلى مصر عام 1974. وبعد عام، تلقّى خبر إصابة والده بطلق ناري، فعاد إلى لبنان، واستطاع أن يراه ثلاث مرات في مستشفى «الجامعة الأميركية في بيروت»، حيث كان يرقد عاجزاً عن الكلام. «كان يكتب لنا ما يريده على ورقة، وما زلت أحتفظ ببعض هذه القصاصات». عاد أسامة سعد إلى مصر بعد وفاة والده لمتابعة دراسته. أحبّ مصر وشعبها، وفيها بدأ بممارسة العمل السياسي فعلياً. انتسب إلى «رابطة الطلاب العرب الوحدويين الناصريين»، وإلى تنظيم «الطليعة العربية»، الذي كان سرياً ويضم أشخاصاً من اليمن والسودان ولبنان. وفي مصر أيضاً، وقع في شباك إيمان، طالبة إدارة الأعمال، فتزوجها.
عام 1985، أصيب شقيقه مصطفى إثر انفجار استهدفه أمام منزله، فترك مصر إلى غير رجعة. لم يكمل اختصاصه في طب الأطفال، ولم يمارس المهنة لضرورة بقائه إلى جانب أخيه. بعد رحيل شقيقه عام 2002، دخل الندوة البرلمانيّة، وبقي فيها حتّى عام 2009، بعد عمليّة «الإنزال الجوّي» لفؤاد السنيورة. لكنّه بقي يتابع نشاطاته السياسية وخدماته في صيدا كالعادة. «لا شيء تغيّر، لأن النهج واحد، والهدف الحفاظ على «خط معروف»، وليس مرتبطاً بأي منصب».
للنائب السابق ثلاثة أولاد هم معروف ومنار ومحمّد. يتبادل معهم الآراء باستمرار، ويشاركهم في معظم هواجسهم. «يعدّونني متساهلاً أكثر من والدتهم. يطلبون مني الأمور المستعصية لأنهم يجزمون بأنني سأوافق فوراً». إلى جانب اهتمامه بالعائلة، يعشق أسامة سعد الزراعة منذ كان في الثانية عشرة من عمره، حين كان يهتمّ بأرض والده في بكاسين. لكنّه انقطع عنها لمدة 22 عاماً بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وعاد بعد التحرير ليتابع أحوالها باستمرار. يستيقظ رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» عند السادسة والنصف صباحاً من كل يوم، مخصّصاً وقتاً لا يستهان به لقراءة أي نوع من أنواع الأدب، ينتقل بعدها إلى العمل. وفي هذه الأيام، يحاول الاستماع إلى موسيقى الجيل الجديد من الفنانين العرب والأجانب، وإن كان لا يحفظ أسماءهم، لكنّه لا يستغني عن أغنيات فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم.
وهو في طريقه إلى الباب لتوديعك، يشدد سعد على ضرورة العمل على تثقيف الشباب بما يتناسب مع متطلبات العصر وأدواته، ليتمكنوا من مواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة. فإيجاد روح شابة بعيدة عن التبعية والانكسار، وحده كفيل بالنهوض بواقعنا وتطويره على جميع مستوياته.


5 تواريخ


1954
الولادة في صيدا

1974
السفر إلى مصر لدراسة الطب،
وهناك انخرط في العمل السياسي

1975
اغتيال والده
المناضل معروف سعد

2002
دخل المجلس النيابي
بعد رحيل أخيه مصطفى

2010
مواصلة العمل الميداني من خلال
«التنظيم الشعبي الناصري» لتفعيل دور الشباب والخط الوطني في مدينته صيدا