رامي زريقماذا يحصل في فرنسا؟ ملايين يتظاهرون في عشرات المدن. مذا يريدون؟ إلغاء قانون مجحف فرضه الفريق الذي يتحكم بالبلاد. فرئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي يسعى منذ توليه الحكم إلى نزع المكتسبات التاريخية التي حققها الفرنسيون من خلال العمل النقابي، لتمكين المستثمرين من السيطرة على سوق العمل و«عصر» العمال والموظفين الصغار وإرغامهم على قبول شروط استغلالية لقاء إبقائهم في وظائفهم. صحيح أن فرنسا لم تكن قبل ساركوزي مثال الحرية والمساواة، إلا أن هذا النهج الجديد يتميز بمقاربة خاصة ترتكز على حفنة من المبادئ مثل «النظافة» و«العمل» التي عممها الفاشيون في السابق وأعاد المحافظون الجدد إحياءها وإدخالها إلى الخطاب السياسي المعولم، بهدف السيطرة على المجتمع. على سبيل المثال، يرى ساركوزي أن سكان الضواحي، وخصوصاً العاطلين من العمل، هم من «الوسخ». وقد هدد قبل انتخابه رئيساً بـ«تنظيف» هذه المناطق بمدافع الماء. كذلك، يندرج طرد آلاف الغجر، الذين لا ينتمون إلى المنظومة التقليدية، في خانة تلك السياسة «التنظيفية». أخيراً، التفت ساركوزي إلى المتقاعدين في محاولة لسلبهم حقهم في التوقف عن العمل.
قد نظن أننا في لبنان بعيدين عن هذه المقاربات، إلا أن الفريق السياسي الحاكم ينتمي إلى المدرسة ذاتها. ألا نرى كيف حوّل وسط المدينة إلى «مول» كبير فارغ من «الأوساخ» ومن الحياة، وسلّم «تنظيفه» لشركاته الأمنية الخاصة؟ ألم يسمع أحد الكلمات التي استخدمت في وصف الاعتصام والمعتصمين في الوسط نفسه؟ ألا يتذكر أحد الدعوات إلى «تنظيف الضاحية والمخيمات» حيث يعيش «المجويين»؟ ألم يحن الوقت لنرفع رؤوسنا من الوحول الطائفية ونواجه ما نراه ونسمعه، على حقيقته السياسية، لا عبر ردات فعل غرائزية؟