هول الجريمة كان كبيراً. ظلت خلال يوم أمس حديث الناس. فأن يقتل رجل زوجته وأطفاله الثلاثة ليس بالخبر العادي. في التحقيقات، ثمة معطيات جديدة قد تكشّفت، في ظل إجراءات وفحوص طبية طلبتها القوى الأمنية لمزيد من الأدلة
رضوان مرتضى، محمد نزال
لا يزال خبر الجريمة التي هزّت وجدان الكثير من اللبنانيين، أول من أمس، آخذاً بالتفاعل على أكثر من صعيد. فقد هال سكّان منطقة حارة حريك، والضاحية الجنوبية عموماً، خبر الجريمة المروّعة، التي أُزهقت فيها أرواح ثلاثة أطفال من عائلة واحدة، إضافة إلى والدتهم ووالدهم، والتي بحسب ما أكّد مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أصبحت نتيجة التحقيق فيها «شبه محسومة»، لناحية أن الوالد هو من أقدم على قتل زوجته وأطفاله الثلاثة، قبل أن يطلق النار على نفسه منتحراً.
بسهولة، يمكن سماع الحديث عن الجريمة بين أي شخصين في الضاحية، فألسنة الناس هناك لم تتوقف عن ذكر ما حصل، فضلاً عن اللبنانيين من بقية المناطق. فالجريمة ليست الأولى من نوعها، إذ حصل قبل نحو شهر أن وقعت جريمة في محيط منطقة الرابية ـــــ جبل لبنان، حيث أقدم والد على قتل طفلته وزوجته، بحسب ما بيّنت التحقيقات آنذاك، قبل أن يُطلق النار على رأسه. وفي هذا الإطار، يُذكر أن جرائم قتل الآباء لأبنائهم قد تكررت أكثر من خمس مرّات خلال السنتين المنصرمتين.
الرسائل الهاتفية التي أرسلها تشير إلى أنه نفّذ الجريمة على مرحلتين
وفي تفاصيل جريمة أول من أمس، فإن التحقيقات الجنائية التي تقوم بها فصيلة حارة حريك في قوى الأمن الداخلي، بالتوازي مع مفرزة تحري بعبدا، لم تنته بعد، فيما يستمر العمل بغية الحصول على أدلة قاطعة تؤكد حقيقة ما حصل. مسؤول أمني رفيع أكّد لـ«الأخبار» أن ما تردد من معلومات عن إقدام الوالد على إطلاق النار على أفراد عائلته قبل أن ينتحر «باتت هي الفرضية الأولى»، لافتاً إلى احتمال أن تكون الجريمة قد حصلت على مرحلتين، إذ تبيّن أنه عند نحو الساعة الواحدة ظهراً، أرسل رسالة نصية من هاتفه الخلوي إلى شقيقه المقيم في الجنوب يخبره فيها أنه قتل عائلته، وفي هذه المرحلة «نتصور أنه كان قد قتل زوجته وطفله الصغير». في المرحلة الثانية، يبدو أنه انتظر وصول ولديه من المدرسة، ثم بادر إلى قتلهما، قبل أن يرسل رسالة ثانية إلى شقيقه يقول فيها مجدداً إنه قتل عائلته، فهذه الرسائل التي أرسلها يمكن أن تكون عاملاً أساسياً في المساعدة على وضع تصور نهائي في القضية. أما عن طريقة القتل، فقد تبيّن أنه أُطلق طلق ناري واحد، من مسدس حربي، على رأس كل واحد من أولاده، إضافة إلى زوجته. وقد علمت «الأخبار» أن القوى الأمنية المختصة طلبت إجراء تشريح لجثة الوالد، بغية الحصول على معلومات إضافية عمّا كان يتناوله من أدوية مهدئة للأعصاب، وكذلك سيُجرى فحص للحمض النووي (DNA) لجميع أفراد الأسرة. إذاً، إن كيفية تنفيذ الجريمة باتت واضحة لدى المحققين، أو شبه واضحة. أما في ما يختص بالدوافع، فإن التحليلات تطول؛ إذ يذكر أحد المقرّبين من الوالد المشتبه فيه أنه كان يتناول حبوباً مهدّئة حتى يتمكن من السيطرة على أعصابه. ويوضح أحد المطّلعين على التحقيقات أن الإفادات التي أدلى بها مقرّبون من العائلة الضحية تشير إلى أن غسان كان يعاني ضائقة مادية، فضلاً عن أنه يعاني تشنّجات عصبية كانت تحدث عنده ردّات فعل بين فترة وأخرى. يُشار إلى أن الوالد كان يعاني وضعاً صحياً صعباً، إذ كان قد تعرض قبل سنوات طويلة لحادث أدّى إلى تضرر في غضروف إحدى ركبتيه، ومع الوقت أصبح الغضروف يتآكل شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبح غسان يعاني صعوبة في السير على قدميه، ولم يكن أمامه سوى خيارين: إما أن يحمل عكازاً أثناء السير، وإما أن يلجأ إلى عمل جراحي لزرع غضروف بلاستيكي، وهذا ما أسهم في تراكم الضغط النفسي الذي كان يرزح تحته.
بعض أصدقاء الوالد يؤكدون أنه لم يكن يظهر عليه أي من مظاهر الجنون، بل على العكس، فهو شخص لبق ومحب للحياة، كان يمازح أصدقاءه ولم يكن يميل إلى الانعزال، لكن ربما بات ميالاً إلى الانفراد بنفسه في الفترة الأخيرة من عمره. ويقول أحد أصدقائه إن غسّان كان شخصاً محباً لعائلته، ويحب زوجته جداً، إلى حد أنه كان يفاخر ويعتز بها، وكان يسعى دائماً بكل ما أوتي من قوة إلى توفير أفضل أثاث منزلي لعائلته، وأفضل ما يمكن أن يحصّله من أسباب الراحة لأولاده. لكن «غريب أمر هذه الدنيا، كيف يمكنها أن تحوّل شخصاً مثل غسّان، من والد نموذجي إلى قاتل». أخيراً، يُشار إلى أن بعض وسائل الإعلام ذكرت أن ولده الرابع قد نجا من الموت بأعجوبة، لكن في الواقع، فإن الابن الأكبر، محمد، لم يكن في المنزل عند وقوع الجريمة، وعندما جاء وحاول الصعود إلى المنزل منعه الحاضرون من ذلك، فأخذ يبكي ويصرخ والصدمة بادية على وجهه، فأخذ الحاضرون هناك يرددون «الله يكون بعونه، يلي مات مات، بس العترة على هيدا يلي بقي عايش من العيلة، كيف رح يقدر يكفي؟».



لقطة

يخفي أحد العارفين بأحوال غسّان دلال حسرة كبيرة، لكن عندما تسأله عن رأيه في ما حصل، يبادر إلى القول: نعم لقد كان وضعه المالي صعباً جداً في الآونة الأخيرة، وكذلك وضعه الصحي. فقد كان يعيش على الأدوية المهدئة للأعصاب في الآونة الأخيرة، وهذه الأدوية كفيلة وحدها بإحداث اضطرابات وردّات فعل غير متوقعة. ويضيف صديق غسان سائلاً: لماذا لم يتدخل أحد من الأقارب أو من المعارف الذين كانوا على صلة به لمساعدته؟ ألم يكن ظاهراً عليه أنه في حالة يرثى لها؟ لا يمكن أحداً أن يبرر لوالد أن يفعل ما فعل، لكن لماذا ليس هناك من جمعيات أو جهات مختصة لتكفل مثل هذه الحالات؟ لماذا ينتظرون موت الشخص وحلول الفواجع حتى يبادروا إلى التحرك؟ ويختم الصديق منفعلاً: أعلم، لقد ذكر أنه سيفعل ما فعل أكثر من مرة على مسمع بعض المقربين منه، لكن لا أحد تفاعل. ربما لم يصدق أحد أن ما كان يقوله حقيقة، ها قد أصبح حقيقة.



جرائم قتل عائلية في سنتين

سُجّل خلال العامين الماضيين وقوع عدد من الجرائم المشابهة للجريمة الأخيرة. جريمة بحرصاف التي أقدمت فيها والدة على وضع السمّ لبناتها الأربع في طعام الغداء، قبل أن تتناوله معهن ويفارقن جميعهن الحياة بهدوء قاتل. جريمة أخرى حصلت في عرمون، حيث أعطى فيها والد ابنيه كمية كبيرة من الحبوب المخدّرة، وأجبرهما على تناولها معه، ليفارقا بعد ذلك الحياة ويُنقل هو إلى المستشفى، فأُنقذت حياته بعدما دخل في حالة حرجة، وهذا ما لم يتح لأولاده. أيضاً، حصلت جريمة منذ مدة في محيط منطقة أنطلياس، حيث أقدمت والدة على تهشيم جمجمة ابنها بمطرقة بعدما زعمت أنه كان يؤذيها ويتعاطى المخدرات. ومن الحوادث اللافتة أيضاً، ما سُجل حصوله قبل أيام، حيث قتل أحد الأشخاص شقيقه بسبب خلاف على موقف للسيّارة.