ضحى شمس«عنوانكم من كام يوم ما كان كويس»، بهذا يبادرني السائق ما إن «اعترفت»، لكونه سمع مكالمتي مع أحد الزملاء، بأني صحافية في جريدة «الأخبار». يسارع الرجل الأصلع، الذي يزين سيارته ببعض الأيقونات للقديس مار شربل، الى توضيح موقفه من العنوان عن السعودية ورئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يحمل هو الآخر، كما حرص على الإشارة، الجنسية السعودية. ويتساءل «يعني برأيك مش لازم ينقي؟ هذا رئيس حكومة لبنان، لازم يكون لبناني مية بالمية، كيف السعودية بتقلّو شو يعمل؟». ثم يردف كلامه بما أصبح لازمةً للتخاطب بين اللبنانيين، أي إشهار الطائفة لحسن «التصويب»، موضحاً أنه مسيحي ومؤمن، لكنه بين... «الوهابية» (يقصد السعودية) وبين إيران يفضل أن يكون «مع ايران». ثم يلتفت إليّ في الخلف لبرهة قائلاً «اسأليني ليه؟» فأستجيب متسائلة من فوري: «ليه؟». فيهمهم، وهو يلفّ المقود باتجاه الجميزة، تلك الهمهمة التي تعني أنك وصلت إلى لبّ الموضوع «هاها»، ثم يأخذ بسرد رواية حصلت معه عام... 1973!
يقول إنه في تلك السنة «كنت شب صغير وبدي إشتغل» وأنه سافر إلى السعودية تلبية لعرض عمل. «كانت اول مرة بسافر فيها، لكنني لم أستطع تحمّل البقاء لأكثر من اسبوعين». أما السبب؟ فلأنه «يا ست الستات، بدك تقولي اكتشفت وقتها شي ما كنت سامع فيه اسمه المطوّعة»، ويستطرد شارحاً: «اللحية لهون، (يشير الى صدره) وجوه عابسة بتقطع الرزق، كل واحد منهم حامل عصا «هالتخن»، لما بيصير وقت الصلاة عندهم، بيدوروا بالسوق، بيفوتوا على المحلات يضربوا الناس ويكربجوها (يسوقوها) قدامهم: الى الصلاة، الى الصلاة». وماذا حصل بعدها؟. يجيب «وصلوا لعندي: إلى الصلاة الى الصلاة. قلت له أنا مسيحي منّي مسلم. وحياتك ستنا: ما لقيتو إلا بلّش يضربني وهوّي عم يصرخ: ابتعد عن طريقي يا تشافر (كافر)». ثم يقول: «ما تكون كسلان يا فؤاد – أنا يعني – بتعرفي شب وما حملني راسي، سحبت منو العصاية وضربتو متل ما ضربني. ما لقيتلك إلا خليقة الله والتمّت عليّ، وفوق منها كنت رح انحبس لو ما نفّذني منها – الله يوجهلو الخير – (يقول الاسم) مسؤول قوى الامن في جدة. شافني، أنقذني من بينهم لأنه كان في معرفة سابقة، وعمل حالو آخذني على السجن. وقللي هدول ما بفهموا ما تتعارك معهم. بس وين؟ الله وكيلك بأسبوعين كنت علقان معهم أربع مرات. بالآخر نصحني: إنو هالبلاد ما بتناسبك، وفعلاً تركتها ولا برجعلها أبداً».
لكن، أسأله: ومن قال إن إيران أفضل؟ فهي الأخرى جمهورية اسلامية؟ يعود للهمهمة «هاها» علامة إني وصلت، مرة أخرى، إلى لب الموضوع. ثم يقول «خذي يا ستي، عدي على صابيعك: بإيران في 13 كاتدرائية (ينظر اليّ في المرآة ليرى وقع المعلومة عليّ) مش واحدة واتنين، 13، وكلها شي فخم. هذا غير الكنائس بالضيع، كمان، للمسيحيين نواب بالبرلمان الإيراني. فيكي تصلّي بالكنيسة بالبيت وين ما بدك. لا أحد يجبرك على شيء. وحتى اليهود عندهم نائب بالبرلمان». ثم يستدرك: «هلق صحيح في شوية تعصب ضد الموسيقى... بس حتى الموسيقى، إذا كلن (بالحفلة) مسيحيين، ما حدا إلو عليهن. هيك خبرني صهري. فليش بدي فضّل الوهابية على إيران؟ عم إحكيكي كمسيحي!».
ثم يقول: «لما إجا الملك السعودي على لبنان، انتصبت الشعارات والتأهيل عنا نحنا المسيحية. ليش يعني؟ إنو جعجع بدو يعمل نكاية بنصرالله؟. طيب أنا لبناني مسيحي، وانتبهي أنا مش مع عون، احترقنا بهالصيف من قلة الكهرباء. وحياة اولادي مرقت ليالي كنت إبكي من القهر انا ونايم على البلاط. انا مدام مريض سرطان، عامل عملية براسي (أتنبه حينها لآثار القطَب في الرأس) إيران عرضت على اللبنانية تأمنلنا الكهربا بست اشهر. ما بدن! ليه؟ لأنه «مسيو جعجع» ما بيحب إيران؟ ريتو عمرو ما يحبها... أنا شو خصني؟».
يتوقف السير تماماً، فيكمل كلامه وهو يشلح ذراعه على المقعد الى جانبه، بعدما فرمل السيارة بسبب الزحمة: «ويا ستي، بلا إيران. مش الحريري سعودي؟ بتقدر السعودية تبعكم تجبلنا كهرباء؟ اللي هجموا بالطيارات على أميركا (11 ايلول) مش كلن سعودية؟». تجيبه: ليسوا جميعاً. فيسأل: «أديش يعني؟ عشرة؟ شو عملتلهم أميركا؟ ولا شي. أميركا مش قادرة عليهم. السعودية فيها كثير لبنانية وخصوصاً مسيحية، بيقدر الحريري يحمي المسيحية بالسعودية؟ إذا عملوا فيهم متل الإمارات قالولهم: يللا اطلعوا بره، شو بيطلع بإيد الحريري؟ إنو لشو هالجنسية؟ يعني اذا الملك قلّو لأ، شو بيعمل؟ أصلاً عمل شي للبنانية بالإمارات؟».
ثم يسأل: «دخلك، شو عاد صار فيه هيداك الشيعي اللي حكموه إعدام؟» يقصد اللبناني علي سباط المحكوم بتهمة الشعوذة في السعودية. أجيبه بأن المساعي لم تثمر حتى اليوم، فيقول ساخراً: «بدن يقصّو له راسو بالسيف قال لأنه بيبصّر!». ثم تدركه النكتة فيقول: «منيح اللي ماغي (فرح) ما عندها مشوار لهونيك».