ما هي العقبات التي تحول دون مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والاختيارية؟ هذا السؤال مثّل محور ورش العمل التسع التي نظّمها المجلس النسائي اللبناني في مختلف المناطق اللبنانية، بالتعاون مع مكتب الإحصاء والتوثيق، وبالتنسيق مع وزارة الداخلية والبلديات بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)
آمال خليل
تتّجه نائبة رئيس بلدية في قضاء صور إلى تقديم استقالتها من المجلس البلدي. الشابة التي تتمتع بكفاءة علمية، وحازت أعلى الأصوات في الانتخابات البلدية، مقارنةً بالمرشحين الذكور، لم تعد قادرة على الاستمرار في المشاركة في تلك البلدية، على الرغم من مرور نحو أربعة أشهر على تأليفها.
ما يدفعها إلى الاستقالة، بحسبها، هو «محاولة عزلي من جانب باقي الأعضاء لأنّي سيدة ومتعلّمة أكثر منهم، لا يدعونني إلى اجتماعات المجلس، ويتخذون القرارات من دون علمي». ومن الأمثلة التي تقدّمها عن طريقة التعامل معها: «الاقتراحات التي أقدّمها لا يؤخذ بها، علماً بأنها تعتمد على المعايير القانونية في إنجاز المعاملات». وتلفت إلى أن «البعض يطبّق في البلدية أساليب السياسيّين في الفساد والسرقة والتلاعب، وهو ما لا تستسيغه كثير من النساء». سبب آخر أزعجها هو أنها لم تشهد تضامناً كافياً من جانب مجتمع البلدة «لأن مفهوم العمل البلدي لا يزال غامضاً، وينتهي لدى البعض باحتفالية الفوز في الانتخابات ورفع لافتة بمنصبه على مكتبه».
خسر أحدهم بسبب اعتقاد الناس أن زوجته ستتحكم فيه
إلا أن قرار هذه السيدة بالاستقالة لا يعنيها وحدها، إذ تداعت مجموعات من الناشطات والناشطين من أصدقائها وزملائها لثنيها عن تنفيذه. في رأيهم، كمدافعين عن حق المرأة في المشاركة في الشأن العام، فإن تلك الخطوة من شأنها أن «تضعضع مكانتها وقدرتها على تحمّل الصعاب التي تطرأ على العاملين فيه، وتسمح لـ(خصومها) بتسجيل هدف في مرماها». واللافت هو أن السيدة واجهت خلال حملتها الانتخابية مختلف ردّات الفعل. فمن الرجال والنساء من كان قد رفض ترشيحها على قاعدة «شو ما في عنّا رجال»، بالرغم من تفوّقها علمياً على باقي المرشحين. فيما انزوت بعض النساء بسبب غيرتهن منها، وأعلنّ صراحةً تشطيبها. لكنها وجدت في المقابل من يدعمها لأنها تنتمي إلى عائلة كبيرة في البلدة، رشحتها دون سواها من الذكور فيها، ولأنها متعلمة ولها منصب اجتماعي مهمّ. وهي تقرّ بأن تبني الحزبين النافذين اللذين رُشحت على حصة أحدهما «أعطاها دفعاً كبيراً للفوز أكثر من أن تترشح مستقلة في مواجهتهما».
بين الترشح والفوز، أسئلة وتحديات كثيرة، اختار المجلس النسائي اللبناني مناقشتها لتبيان أسباب الخلل في مشاركة المرأة في المجالس البلدية، التي تجعل منها صفراً أحياناً. تسع ورش عمل عقدت في مدن وبلدات في الشمال والبقاع والجنوب، دُعي إليها المهتمون لمناقشة الأسباب والحلول والمقترحات الآيلة إلى تحسين الواقع.
تدني مشاركة النساء في ورش العمل هذه، قد يكون مؤشراً، وخصوصاً في البلدات الريفية التي كانت نسبة المشاركات فيها أقلّ من المشاركات في ندوات طرابلس وصيدا وصور. فيما كانت لافتة المشاركة الذكورية، التي ضاهت أحياناً في الكمّ والنوع مشاركة صاحبات القضية.
فقد أُنهكت ليلى وهي تدور على نساء بلدتها لدعوتهن إلى الورشة التي أقيمت في بلدة البابلية (قضاء الزهراني). هذه البلدة، لم تشهد في تاريخ عملها البلدي الذي بدأ عهده الثاني، ترشح سيدة إلى البلدية. وترى بعض النسوة أن الأمر «معقّد وغير صالح للتنفيذ في القرى، حيث لا تزال نساء كثيرات تابعات اقتصادياً، وقلة منهن تطمح لأن تصل إلى مرحلة الدراسات العليا من بين اللواتي يحصلن على إجازة جامعية بدلاً من اختيار الزواج وتأسيس أسرة فحسب».
هذه الأجواء انسحبت على الورشة القليلة المشاركات، حيث تحدثت نجوى حرب عن تجربتها غير المرضية كعضو في المجلس البلدي السابق في البابلية لأنها سيدة، ما دفعها إلى الاعتكاف بعد عامين من انتخابها. أسباب كثيرة تسبب في رأيها تدني مشاركة المرأة، منها أن «كثيراً من الأحزاب والعائلات لا تجازف بترشيح نسائها خوفاً من خسارة اللائحة إذا ما لجأ الناخبون إلى تشطيبهن لأنهن نساء». فالتمييز لا يزال يعشّش في النفوس، حيث أجاب أحد رؤساء البلديات الفائزين عن سؤال «هل نجحت نساء في مجلسكم؟» بالقول: «بعد ناقص تجبلي نسوان على المجلس». فيما خسر زوج إحدى المشاركات كمختار «بسبب اعتقاد الناس بأن زوجته الناشطة في العمل الاجتماعي سوف تتحكم فيه».
المشاركة الذكورية ضاهت مشاركة النساء كمّاً ونوعاً
وإذا تخطّى الناس النظرة الذكورية إلى النساء، فإنهم يقعون، بحسب المشاركين، في شرك ديني أو طائفي أو مادي. ففي بلدة القرعون (البقاع الغربي) وصلت المرأة إلى المجلس البلدي عام 1992، لكنها في 2005 لم تتمكّن من الوصول، لتعود في الدورة الأخيرة. «ما يدلّ على أنه في فترة الأزمات السياسية والطائفية لا تكون خيارات الناس حرة». إلى جانب انعكاس العامل الديني المتمثل في السيطرة الذكورية على المواقع المرجعية لدى الطوائف والاجتهادات والتفاسير للمعتقد الديني المناهض لتقدّم المرأة. المشاركون وجدوا أيضاً أن السياسيّين والأحزاب يحتكرون المواقع القيادية.
وقد أعاد المشاركون الأسباب إلى النمط الذكوري البنيوي، غياب الإنماء الثقافي كتنمية الموارد البشرية وتمكين المرأة، والتربية المستدامة ومحو الأميّة وانعدام الثقافة المجتمعية وسيادة الإعلام الجماهيري التمييزي المتفلّت. ومنها أيضاً غياب الديموقراطية وانعدام حرية العمل السياسي وتفشّي الفساد في سلوكيات السياسيين واعتماده وسيلة من وسائل العملية الانتخابية.
مع ذلك، فإن المشاركين لم يُعفوا المرأة من «ذنبها» لأنها «لم تثبت فعّالية عملها وكفاءتها في الشأن العام». ففي ورشة صور، قُدّمت الأمثلة عن النساء اللواتي فزن في الدورة البلدية السابقة، إلا أنهن لم يزرن بلداتهن إلا نادراً، وبقين في محل إقامتهن في بيروت أو خارج لبنان، فلم يشعر الناخبون بحضورهن طوال السنوات الست السابقة.
أما في الحلول، التي فاقت حدود تلك الورش والمشاركين فيها، فقد تحدثت عن تهيئة المجتمع الذكوري عبر التثقيف وتحديث القوانين، ولا سيّما تلك المتضمنة تمييزاً ضد المرأة، وإلزامية التعليم لكلّ الفئات المجتمعية، تطوير النظام السياسي الإقطاعي الطائفي، فرض قوانين تحتّم وجود معايير ومقاييس للجودة في العمل السياسي، مع إجراء امتحانات للراغبين في العمل في الحقل العام، التوعية والتركيز على العمل البلدي، تنظيم حملات إعلامية للتشجيع على المشاركة النسائية، وغيرها من الاقتراحات. إلا أن الأهم من كل ذلك يبقى في رغبة المرأة ومبادرتها إلى الترشح.


الكوتا: بين مع وضدّ

أدار مدير مكتب الإحصاء والتوثيق الباحث كمال فغالي حلقات الحوار التسع بهدف جمع موادها لتكوين دراسة حديثة عن معوقات مشاركة المرأة في البلديات من خلال المعنيين مباشرةً، وصولاً إلى استنباط الحلول. وفي هذا الإطار، حاولت الحوارات معرفة التوجه العام في موضوع الكوتا النسائية. وتبيّن أن مفهومها ليس واضحاً لدى معظم المشاركين. فقد اعترض البعض على تحديد المشاركة النسائية بنسبة 20% فقط. وقد راوحت الآراء بين الرافض كلياً والداعم كلياً، مروراً بالذين رأوا أن الكوتا المرحلية ضرورة إلى حين الوصول إلى تمثيل لا يرتكز على أشكال التمييز.
وكانت وزارة الداخلية قد عقدت أمس ورشة عمل تحت عنوان «تعزيز مشاركة المرأة من خلال الكوتا النسائية، عقبات واقتراحات لتطبيق الكوتا» وذلك في سياق وضع قانون انتخابي جديد.