strong>بسام القنطار المشهد في روضة الشهيدين يختلف كثيراً عن سانتا كلارا. هناك وقفت أليدا تشي غيفارا أمام قبر عماد مغنية. التفتت يميناً ويساراً، تقدمت ببطء لتركع فجأة عند القبر على ركبة واحدة، ثم أسندت وجهها إلى كفها، مرسلة نظرها إلى الضريح الذي بقيت تتأمله طويلاً، بصمت. ترفع رأسها، تنظر إلى من حولها وتقول: «أنا أنتمي إلى شعب لم يعتد أن يركع إلا للرجال الأبطال الذين قضوا في ساحات الوغى، وهذا واحد منهم». تقول غيفارا بعدما همّت بالوقوف.
ربما لم يقرأ مغنية عبارة تشي التي تقول إن «المرء لا يستطيع أن يكون متأكداً من أن هناك شيئاً يعيش من أجله إلا إذا كان مستعداً للموت في سبيله». لكن ابنة «تشي»، في ذكرى استشهاده، استطاعت أن تجعل روضة الشهيدين نسخة مطابقة للقبر الذي يحوي عظام تشي المستعادة من دفن قسري في بوليفيا.
تعرف أليدا غيفارا أن الوقوف على قبر عماد مغنية يثير حفيظة واشنطن. وهي قبل أن تبدأ مؤتمرها في نقابة الصحافة، أمس، أُبلغت أن الإعلام الأميركي أفرد صفحاته للحديث عن لقاءاتها بعدد من قياديي حزب الله، بينهم نائب الأمين العام نعيم قاسم ومسؤول منطقة الجنوب في الحزب نبيل قاووق، وأن صحيفة في ميامي تحدثت عن زيارتها لقبر مغنية قبل يوم من حدوثها، وقد سخرت الصحيفة من أنها تزور قبر «إرهابي مطلوب من الإنتربول الدولي».

يتحدثون عن الإنتربول والمجرم بوسادا كاريلس يجول في ميامي
«في الحقيقة، أنا أشكرهم لأنهم كتبوا عن هذه الزيارة، وخصوصاً زيارتي لضريح الشهيد عماد مغنية. لقد كانت زيارتي للبنان مليئة بالحب والفرح، لكن الحزن الوحيد الذي أحمله هو أنني لم أحظ بفرصة التعرف إلى هذا الرجل». تقول أليدا وتسأل: «بأي حق يتحدثون عن الإنتربول الدولي، ومجرم خبيث مثل بوسادا كاريلس يجول في شوارع ميامي بدون أي عقاب ولا ملاحقة من أي هيئة دولية؟». ومن المعلوم أن كاريلس هو واحد من كبار المتورطين في التخطيط لعملية تفجير طائرة مدنية كوبية فوق هافانا عام 1976 ذهب ضحيتها عشرات الأشخاص. أما تقويم غيفارا لزيارتها للبنان، فقد اختصرته بجملة واحدة: «أشعر بفخر كبير».
صباح أليدا بدأ بزيارة مقبرة شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا حيث «التقيت بسيدة فلسطينية ممتلئة بالألم». تضيف غيفارا: «لكن هذه السيدة لديها قوة غريبة. لم أستطع تخفيف آلامها. الألم لا يمكن تجزئته، لكنه يتضاعف ويعطينا المزيد من القوة لنكمل المسيرة. تعلمت هذا من فيديل (كاسترو)». وتختم: «كنت أتمنى أن أقضي وقتاً أطول، وأحمل معي من هذا البلد ذكرى جميلة. ووصيتي إلى لجنة التضامن اللبنانية لتحرير المعتقلين الكوبيين الخمسة التي دعتني إلى هذه الزيارة، مواصلة الكفاح والضغط على الرأي العام ليعرف حقيقة الظلم اللاحق بهؤلاء الشبان وبعائلاتهم».
قبل أن تخلي أليدا المنصة، سارعت المترجمة إلى تعريفها برجل همّ بمصافحتها. إنه منتظر الزيدي. تنظر أليدا ضاحكة إليه وتقول: «هذا أنت؟ لا يمكن أن أصف لك شعوري لرؤيتي ذلك المشهد».