يعطي الإقبال اللافت على تعلم اللغة التركية على يد أستاذ تركي يعلّم أصولها للراغبين من اللبنانيين، وخصوصاً ذوي الأصول التركية في الشمال، انطباعاً بأن الميراث السلبي للدولة العثمانية في المنطقة قد تراجع أمام الوجه الجديد المنفتح لتركيا
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
مضى أكثر من سنة وشهرين تقريباً على وجود أستاذ اللغة التركية يوجيل أكتشا في طرابلس، موفداً من وزارة التربية والتعليم في بلاده لتعليم لغتها لمن يرغب في عاصمة الشمال، بمن فيهم أولئك المواطنون اللبنانيون ذوو الأصول التركية، الذين يتمركزون خاصة في بلدتي الكواشرة وعيدمون في عكار.
أكتشا الذي حطّ رحاله في عاصمة الشمال، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لها في 30/7 /2009، التي عدت تاريخية وهامة، جاء إلى لبنان تلبية لطلب مزدوج: الأول قدمه أبناء الكواشرة وعيدمون إلى السفارة التركية في بيروت، والثاني طرحه بعض الناشطين والمهتمين بالمجالين الثقافي والتاريخي، لما هناك ـــــ حسب رأيهم ـــــ من روابط كثيرة بين الشعبين اللبناني والتركي.
أحد هؤلاء الناشطين، وهو رئيس لجنة الآثار في بلدية طرابلس د. خالد تدمري، الذي ينشط على خط تفعيل التواصل الثقافي بين مدينته وتركيا، يوضح لـ«الأخبار» أنه «استُجيب لطلبنا سريعاً من وزارة التربية والتعليم التركية لإبفاد أستاذ لتعليم اللغة التركية عندنا، بعدما عرضنا لهم الدوافع والمبررات لذلك». لكنه يكشف عن «طموح لإنشاء مركز ثقافي تركي يكون مقره في طرابلس، لا في بيروت، نظراً لروابط تاريخية وثقافية واجتماعية كبيرة تربط مدينتنا بالأتراك، وترجمت في أحد وجوهها بتولي الحكومة التركية على نفقتها إعادة تأهيل التكية المولوية في المدينة، بعدما أهلت سابقاً ساعة ساحة التل الشهيرة».
فكرة استقدام أستاذ في اللغة التركية إلى طرابلس ليست جديدة، فهي حسب زاهر سلطان، أحد مؤسسي الجمعية اللبنانية ـــــ التركية في طرابلس، وهي جمعية حديثة التكوين، تعود إلى عام 2005، لكن «تأخر تفعيلها إلى عام 2009»، لافتاً إلى أن «الفكرة لم تقتصر على طرابلس، بل تبع ذلك إيفاد أستاذ آخر إلى بيروت، وينتظر أن يصل أستاذ ثالث إلى الجنوب في غضون أسبوعين».
سلطان الذي درس الصيدلة في تركيا، ويحنّ كثيراً إلى بلد تعود جذور عائلته إليه، يوضح أنه «لتعليم اللغة التركية في طرابلس على نحو واسع، جرى التعاقد مع أحد معاهد تعليم اللغات الأجنبية في المدينة (معهد كوانتوم). وبعدما نظمنا حملة إعلامية بسيطة لهذه الغاية، كانت النتيجة أن عدد الطلاب بلغ حتى الآن 40 طالباً، وهو مرشح للازدياد نظراً لاتصالات كثيرة تردنا من أشخاص عديدين، من بينهم مواطنون أرمن يسكنون في لبنان، جذورهم تركية».
أسباب الإقبال على تعلم اللغة التركية في طرابلس يردها تدمري إلى أن «أعداد الذين يزورون تركيا في السنوات الأخيرة بات كبيراً، وهؤلاء من السياح والتجار والطلاب، لأن زيارة تركيا أقل تكلفة من زيارة أي بلد أوروبي آخر. كذلك أسهمت المسلسلات التركية المدبلجة في رفع نسبتهم، فضلاً عن تقارب كبير في العادات والتقاليد بين الشعبين اللبناني والتركي، ووجود عائلات طرابلسية من جذور تركية.
أما سلطان، فيفسر الإقبال على تعلم اللغة التركية إلى «انفتاح الحكومة التركية أخيراً على المنطقة، والتفاعل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الطرفين، وإمكان دخول تركيا بلا تأشيرة دخول»، مشيراً إلى أنهم يدرسون «إمكان طلب أستاذ آخر، وخصوصاً أن بعض المهتمين طرحوا أن تكون اللغة التركية لغة اختيارية ثانية أو ثالثة في المدارس والجامعات اللبنانية، على غرار ما أقدمت عليه الحكومة التركية أخيراً بالنسبة إلى اللغة العربية».
أكتشا الذي التقته «الأخبار» أثناء تدريسه اللغة التركية في إحدى قاعات معهد كوانتوم، عبّر بلغة عربية مكسّرة عن انطباعه لجهة الإقبال على تعلم اللغة التركية في طرابلس، مشيراً إلى أنه «جيد وطبيعي ومشجع». لكنه أشار إلى أن «الوضع في عكار مختلف، لأن العدد هناك كبير جداً».
وفي نوع من التودد، يكتب أكتشا على اللوح عبارة باللغة التركية، قال إنها تعني بالعربية: «أنا أحب لبنان»، فجاة تسمع رنة موسيقية تركية يتبين أنها من هاتفه الخلوي، يستأذن مبتسماً، وهو يقول إن الاتصال من سفارته.
طلاب الفترة الصباحية كانوا بمعظمهم من الإناث. يقول لنا الرجل إن طلابه يتوزعون على 4 فترات، واحدة صباحية وثلاث مسائية، معظمهم حسب عاملين في المعهد «من السيّاح والتجار، وهم يزدادون مع انطلاق كل دورة تستغرق عادة شهرين». هويدا سكرية ردّت أسباب تعلمها اللغة التركية لحبها لتعلم لغات أجنبية، لافتة إلى أنها زارت «هذا البلد الذي تجمعنا به عادات وتقاليد وقواسم تاريخية مشتركة، فضلاً عن كونه بلداً إسلامياً».
بدورها نهى حسن ترى أن «النقاط المشتركة بيننا وبين تركيا كثيرة، وطبيعي أن نتعلم لغتها. كذلك فإن هناك تبادلاً وتقارباً وزيارات على كل المستويات بيننا وبينهم، فضلاً عن أن هناك مفردات وكلمات كثيرة مشتركة بين اللغتين العربية والتركية» كما تقول.
أما مايا خباز فترد السبب إلى أنها تفعل ذلك لأنها ستذهب لتقيم هناك، وعندما تسأل عن السبب تضحك وتجيب: «خطيبي يقيم في تركيا منذ 11 عاماً، وهو يعمل ويقيم فيها، وكل معارفه وأصدقائه أتراك، فرأيت أن أتعلم لغتهم».
غير أن سلوى كور حسن تفسر إقبالها على تعلم لغة الأتراك بكون جذور عائلتها تركية من لواء الإسكندرون، موضحة أنها تعرف «القليل من اللغة التركية، لكن بما أن هناك زيارات بيننا وبينهم، أردت تعلم هذه اللغة لأتقن التواصل معهم على نحو أفضل».


تركيا الفتاة

التقارب التركي ـــــ اللبناني والعربي أخيراً أخذ أبعاداً اجتماعية عدة، وصلت إلى حد أن مواطناً في الضنية، يدعى حسن شاكر الصمد، لتعلقه بتركيا إثر ما فعله أردوغان بالإسرائيليين منذ اشتباكه مع شيمون بيريز مروراً بسفينة «مافي مرمرة»، أطلق على إحدى بناته اسم «تركيا»!
وفي طرابلس عائلات عدة تعود في أصولها إلى جذور تركية، في نتيجة طبيعية لمكوث العثمانيين في بلادنا قرابة خمسة قرون. ومن هذه العائلات شعراني وسلطان ودرويش وإزمرلي والقاوقجي وإسطمبولي والخوجة والشرمند وسنجقدار وغيرها، وكل العائلات التي تنتهي بحرفي «جي» مثل عائلة جباخنجي.