محمد نزال«أحياناً، لكي تحصل على حقّك، لا بد لك من إحداث بعض الضجيج»... من وحي هذه المقولة، دخل المواطن السوداني عبد المنعم موسى إبراهيم يومه السابع مضرباً عن الطعام، مفترشاً باحة النادي الثقافي السوداني في منطقة الحمرا، في ظل جمهرة من الناس حوله لا ينفكّون يذهبون ويعودون.
في اليوم السابع على إضرابه عن الطعام، زاره عدد من الأطباء ونصحوه بتناول الطعام والشراب. أبى عبد المنعم ذلك، فاقترحوا عليه أخذ مصل في يده، وإلّا «فإنك غداً ستدخل مرحلة الخطر، والموت عنك ليس ببعيد». امتثل عبد المنعم للنصيحة، فالموت ليس هدفه، بل «رفع الظلم اللاحق بالسودانيين في لبنان هو هدفي، أن لا تكون محكومية أحدهم السجن شهراً واحداً، ويبقى حبيس القضبان سنتين وأكثر، هذا هو مطلبي». يغمض عينيه ويفتحهما بطيئاً، يأخذ نفساً عميقاً ويفرد يديه على الفراش، ثم يكمل قائلاً: «أن تكون سفارتنا في لبنان سفارة لكل السودانيين، أن ترعى وتهتم بشؤون رعاياها بطريقة لائقة، هذه هي غايتي». ينتفض فجأةً للتحدث عن أمر خاف أن ينساه: «السفارة تقول إنّني لم أعد سودانياً، وإنّني أملك جواز سفر كندياً، هذا غير صحيح، أنا لاجئ، صحيح، لكنّني ما زلت سودانياً وسأبقى، فجواز السفر ما زال بحوزتي».
بعض الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، علمت بأمر إضراب عبد المنعم، الدكتور المتخرج من الجامعات اللبنانية، الذي مضى على وجوده في بلاد الأرز نحو 23 عاماً، فقرر عدد من الأشخاص التضامن معه وافتراش رصيف الشارع قرب مبنى «الجيفينور». أضاؤوا الشموع، ألصقوا صور عبد المنعم على الجدران، وكتبوا عليها «تضامنوا مع الدكتور عبد المنعم إبراهيم... الناشط في مجال حقوق الإنسان، المضرب عن الطعام من أجل حقوق الجالية السودانية في لبنان».

قال له الأطباء، إن لم تضع المصل فالموت عنك ليس ببعيد
بعدما اضطر النادي الثقافي السوداني إلى إغلاق أبوابه لأيام، كان الباب مفتوحاً أمس، وفيه الشخص المعني بمتابعة شؤون النادي. سألته «الأخبار» عن رأيه في تحرك عبد المنعم، فبدأ الإجابة من مكان آخر: «السفارة لا تتدخل في شؤون النادي والجالية، ولكن نحن نتضامن مع مطالب عبد المنعم، التي هي لكل السودانيين، ولكن لو أنّه اعتصم أمام مبنى السفارة لكان ذلك أفضل».
قضية عبد المنعم موسى إبراهيم تعيد تسليط الضوء على قضية اللاجئين في لبنان، ففضلاً عن الممارسات «المهينة» التي يتعرض لها بعض الأجانب من جانب بعض الأجهزة الأمنية، وخاصةً الأفارقة والآسيويين، على حد قول عبد المنعم، فإن موقف لبنان الرسمي ما زال كما هو، أي «لبنان ليس بلد لجوء، لا دائم ولا مؤقت». لكن يحصل أن توقف الأجهزة الأمنية أجانب لا يحملون إقامة شرعية، فيوضعون في السجن، ثم تبدأ مرحلة تقاذف المسؤوليات بين سفارات هؤلاء الأشخاص، والأمن العام، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. كلٌّ يرمي المسؤولية على الآخر، فالمفوضية لا يمكنها قبول كل شخص يطلب اللجوء، والسفارات أحياناً «لا تعلم أن فلاناً موجود في لبنان، لأنه أصلاً دخل خلسة»، أما الأمن العام، فلا يملك أحياناً المال اللازم لتغطية بدل ترحيل هؤلاء إلى بلادهم، وهكذا، يبقى هؤلاء الأشخاص موقوفين أشهراً، وأحياناً سنوات.