التعليم العالي الخاص في لبنان عال... جداً، لا يطاله الجميع، وإن طاله البعض، فبمشقّة أحياناً. ففيما لا يكترث بعض الطلاب الميسورين كم يكلّفون ذويهم سنوياً، يضطرّ آخرون إلى العمل إلى جانب دراستهم، وخصوصاً في ظل ارتفاعات قد تطرأ من حين إلى آخر على القسط الأساسي
رنا حايك
كلفة التعليم عالية في لبنان. في المدارس الخاصة النخبوية، لا يكفي أن يكون الأهل قادرين مادياً على تسديد القسط المرتفع. يحتاجون أيضاً إلى واسطة «من فوق». في الجامعات، قد تؤدي الوساطات دوراً، ولكن، ليس في الدخول، بل في مستوى المنح الدراسية. وحتى هنا، يظلّ ارتفاع القسط الجامعي هو المشكلة الأساسية. ورغم أنه يُشهَد لبعض كليات الجامعة الوطنية بمستواها العالي، إلا أن التعليم الخاص يظلّ الأكثر ضمانة. فلا يخفى على أحد أن الجامعة اللبنانية قد خسرت كثيراً من موقعها خلال العقود الأخيرة حتى باتت تخرّج الكثيرين من العاطلين من العمل، فيما ترتفع فرص المتخرّج في جامعة خاصة في إيجاد فرصة عمل. لذلك، ينتسب طلاب الطبقة الوسطى إلى الجامعات الخاصة بمشقة. هناك، يكافحون لنيل الشهادة. يعملون بموازاة دراستهم، ليسهموا مع أهلهم في تسديد الأقساط، أو على الأقل، في تغطية مصروفهم الخاص.
«بصراحة، المطلوب هو توفير تعليم حكومي مجاني متطوّر» يقول علي، الذي يتابع تخصّصه في إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية، مضيفاً: «وإلا ما كنا فتنا عجامعات خاصة تندفع فيها اللي فوقنا واللي تحتنا». يستفيد علي من منحة دراسية وفّرتها له إدارة الجامعة، لكنها لا تكفي. لذلك، عمل خلال السنوات الأولى من دراسته في حرم الجامعة لقاء حسم إضافي على القسط بلغ 20%، أما في السنوات اللاحقة حتى الآن، فهو يعمل في مكتب للمحاسبة حتى يساعد أهله، على الأقل، في تغطية مصروفه الخاص. زميله، س. ك. كما آثر أن يُعَرَّف نفسه، كان يعمل منذ اليوم الأول الذي دخل فيه إلى الجامعة. في البدء داخل الجامعة، ضمن البرنامج ذاته الذي استفاد منه علي، ولاحقاً في أشياء كثيرة «سبّع فيها الكارات» كما يقول. فإلى جانب «الحرتقات الصغيرة» مثل شراء «U.S.B» بالجملة وبيعها لمعارفه، عمل س. في مجال الدروس الخصوصية التي كان يعطيها لزملائه في الجامعة، وهو مجال «تعّبني كتير لأنو كنت أدرس عني وعن غيري». عمل أيضاً في الترجمة، اشترى كاميرا وأصبح يصوّر الفعاليات ويبيع صوره، نجح في الحصول على وظيفة بدوام جزئي في إحدى الجمعيات الأهلية. في النهاية، كتب واجبات زملاء الدراسة وأبحاثهم لقاء «خرجية محرزة» يحصلون عليها من ذويهم الميسورين! فـ«ففي كتير طلاب مرتاحين عوضعن. أنا واللي متلي قلال»، كما يقول، مشيراً إلى صعوبة أن يعمل الطالب إلى جانب دراسته، فهو أمر منهك في النهاية. كان س. يودّ الانتساب إلى الجامعة اللبنانية، لكنّ والده آثر أن ينتسب إلى جامعة خاصة، ليضمن له مستقبلاً أفضل. الآن، يتكفّل الوالد بالجزء الأكبر من القسط، «يبلغ قسطي بعد الحسم نحو 8000 دولار سنوياً، أنجح في المساهمة بنحو 3000 منه»، يقول علي الذي، رغم تعبه، يعترف بأن العمل قد أكسبه خبرة مهنية وحياتية تساعده اليوم، وهو يستعدّ للتخرج وللدخول جدّياً في معترك سوق العمل.
فؤاد في الجامعة اللبنانية الأميركية. يبدو أنه الوحيد في تلك الجامعة الذي يشعر بالزيادات الطفيفة التي تطرأ عاماً بعد عام على القسط. «جامعتي فيها كتير أغنياء، ما حدا بيعترض لمّا تزيد الأقساط شوي». بعد أن قدّم طلباً للاستفادة من منحة ورُفِض «لأسباب لا أستبعد عنها غياب الواسطة والكوتا الطائفية» كما يقول، اضطرّ إلى أن يعمل ليساعد أهله على الأقل في توفير مصروفه.


تأجيل ثانٍ للزيادة في الأميركية

بعد أخذ وردّ طويلين بين الطلاب وإدارة الجامعة الأميركية خلال العام الدراسي الماضي، بخصوص احتساب كلفة الوحدات الدراسية، نجح الطلاب في تأجيل قرار الإدارة في ألّا تصبح الوحدات مجانية إلا بعد أن تتخطى 15 وحدة، ليظلّ الوضع على حاله، وهو مجانية كل ما يضاف على 12 وحدة من الوحدات. للمرة الثانية هذا العام، ينجح الطلاب في تأجيل القرار حتى عام 2012، وهم ينوون القيام بتحركات إضافية هذا العام، للحؤول دون تطبيق القرار إذا لم يكن مقروناً بتحديد معايير واضحة للمرشحين لنيل منحة. فهم يدركون أن أصحاب المنح من زملائهم لن يسري عليهم القرار الجديد، ولا يريدون الإضرار بهم، بل يسعون فقط إلى تحسين ظروف تطبيق القرار الإداري.