الفرقة التي أطلقها مطلع التسعينيات، اعتبرت مفترق طرق في تاريخ الموسيقى المغاربيّة المعاصرة. جمع بين تقاليد افريقيّة وعربيّة، وروح الروك والريغي، وذهنيّة الرفض والاحتجاج التي ورثها عن والده، صاحب «نجمة» وأحد اهم المثقفين الجزائريين في القرن العشرين

سعيد خطيبي
يتشبّث أمازيغ كاتب بمبادئ اليسار. يرى نفسه امتداداً لتجربة والده الكاتب الجزائري الراحل كاتب ياسين (1929 ـــــ 1989). يعلن صراحة مواقفه السياسية، ويدافع بشراسة عن القضية الفلسطينية. «إسرائيل امرأة من دون تاريخ»، يقول. لكنّه قبل أي شيء، أحد أبرز المجددين لفنّ «الكناوى» أو القناوي، تلك الموسيقى التقليديّة التي نشأت في المغرب الكبير، خلال القرن التاسع عشر، على يد الزنوج القادمين من أدغال أفريقيا، مستعبدين في الحقول والمصانع الأوروبيّة. «أنا أفريقي قبل أي شيء. أستمدّ موسيقاي من تراث الأجداد»، يقول.
المصادفة وحدها جمعت أمازيغ كاتب بموسيقى «الكناوى». يتذكر بدايات المغامرة خلال «زيارة عائلية إلى مدينة تيميمون في جنوب الجزائر»، وكان لا يزال في التاسعة. هناك اكتشف طابعاً موسيقياً صحراوياً مختلفاً عمّا ألف سماعه. طابعٌ يجمع بين تأثيرات البلوز، وترسبات الموسيقى الأفريقية التقليدية. أعجب بآلة القمبري المستخدمة في عزف تلك الألحان، وهي آلة تصنع من درقة السّلحفاة الصلبة، ولها ثلاثة أوتار. «حين بدأت مسيرتي الفنية، لم أكن أتقن العزف على القمبري. بقيت أتمرّن حتى مطلع التسعينيات، وصارت الآلة تمثل اللبّ في تلحين جميع أغنياتي».
بقيت رحلة تيميمون راسخة في ذاكرة أمازيغ. حدّث والده عنها، وطلب رأيه في أول النصوص وكلمات الأغاني التي وقّعها بين 1986 و1988، قبل أن يغادر الجزائر، ليستقرّ مع والدته في مدينة غرونوبل جنوب فرنسا. «بعد انتقالي إلى فرنسا، أعدت اكتشاف الموسيقى الجزائرية الفولكلورية إجمالاً، وخصوصاً سحر الكناوى» يخبرنا، ويضيف: «معان لا يدركها سوى من عايش المحنة».
في وقت بدأت تتوطد علاقته بالموسيقى، تلقّى أمازيغ صدمة رحيل والده المفاجئ. وفاة «الشيخ»، كما كان يناديه، زادت أمازيغ عزلةً وانطواءً، وجعلته ينغمس أكثر في عشقه للقناوى. هكذا، انطلق في ميدان التجريب مع تأسيس فرقة «كناوى ديفيوجن»Ganawa Diffusion (1992) التي ضمت موسيقيين من المغرب وفرنسا والجزائر، وانتهجت لغة ساخرة، مع التركيز على الوضع في جزائر التّسعينيات. «صحيح أنني أعيش بعيداً عن الجزائر، إلّا أنني جدّ قريب منها، وأتابع ما يدور فيها من متغيّرات». هكذا جاءت معظم أغاني الفرقة مستمدةً من العامية الجزائرية، ومطعمةً بالفرنسية والإنكليزية، مع ميل إلى مزج الموسيقى القناوية، بالروك والريغي.
لطالما ارتبط الكناوى في المغرب العربي الكبير، بأوساط الشعوذة والدروشة، ما أدّى إلى تطوّره في الظّل. يطلق على عازفي القناوي لقب «معلم»، ويسود اعتقاد أنّهم يستحضرون في أغانيهم الأرواح وملوك الجن (أمثال لالة مليكة، وسيدي ميمون، وغيرهما). وكان كثيرون ينسبون إليهم طقوساً وثنية من شأنها مداواة البرص، والعقم... وقد وجب الانتظار طويلاً، قبل وصول جيل جديد، يهدم بعض الأفكار والكليشيهات الجاهزة والأساطير، ويبعث فن «الكناوى» في حلّة جديدة ومعاصرة. وكان ذلك بفضل فنانين أمثال الراحل «المعلم» بن عيسى، قائد فرقة «ديوان الدزاير»، إلى جانب فرقة «قعدة ديوان بشار»، والفنانة عائشة لبقع، وحسنة البشارية، إضافةً إلى «كناوى ديفيوجن» التي أصدرت ألبومها الأول «اختلاف شرعي» Légitime différence عام 1993.
حضور أمازيغ كاتب، منح الفرقة انتشاراً مقبولاً، لكن القفزة النوعية جاءت مع الألبوم الثاني «ألجيريا» Algeria (1997). وتضمن الألبوم الأغنية الشهيرة «ظلّ ـــــ هي»، وتقول كلماتها: «أريد أن أصير أريكة/ في صالون حلاقة للنساء/ لتحتكّ

يغنّي الافق المسدود، وفشل مشاريع التنمية، وإفلاس الطبقة السياسيّة التي خانت مُثُل التقدّم والحريّة
أرداف النفوس الطيبة، بكبريائي». يقرّ أمازيغ بأن سرّ نجاحه يتمثل في «التجديد الموسيقي والألحان الهجينة، إضافةً إلى كلمات الأغاني المستمدة من الحياة اليومية، من تلك الكلمات الجريئة وغير العابئة بالتبعات، أو بآراء الجهات الرسميّة».
بلغت الفرقة ذروتها في النقد السياسي مع أغنية «يا لايمي»، الواردة في ألبوم «سوق سيستام» Souk System (2003). وقتذاك رفض نجل صاحب «نجمة» الاستجابة لمشروع الوئام المدني الذي أقرته الحكومة الجزائريّة، وعفت بموجبه عن أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA). «في الدزاير العالية طاحوا ماليا (أهلي)/ زادوا طاحوا ناسي/ ودفنت والديّ/ في الدزاير العالية، ما زال تعمر القبور/ مازال التراب محفور/ مازال الموت تدور/ باسم الحرية والجمهورية جبدوا الزربية/ وباسم الجيا دفنوا حقوقنا المدنية».
يغنّي أمازيغ عن انغلاق الحياة في الجزائر، وفشل المشاريع التنموية، كما في أغنية «باب الواد ـــــ كينغستون»، وعن إفلاس السياسة في «ماتش بطيخ»، وعن مواضيع أخرى.
توقفت تجربة «كناوى ديفيوجن» فجأة، بعد إصدار الألبوم السادس والأخير Fucking Cowboys (2007). ويعتقد بعضهم أنّ الأمر ناتج من خلافات شخصية، وتدخل والدة أمازيغ في شؤون الفرقة. واصل أمازيغ العمل بشكل فردي. وأعلن عن تأسيس فرقة «السمّ الأحمر» Poison Rouge. وأصدر، بدايةً، أغنية منفردة بعنوان «بوش مات» خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009. «التاريخ لن يغفر لبوش الابن أخطاءه. أغرق العالم في الحروب وارتكب حماقات كثيرة» يقول.
يفكر أمازيغ كاتب حالياً في دخول مجال المسرح من خلال إخراج مسرحيّة شهيرة لوالده، بعنوان «محمد خذ حقيبتك»، ليقدّمها مع رفاقه السّابقين في «كناوى ديفوزيون»، وينتظر عرضها في الجزائر: «يعرف الجميع والدي من خلال رواية «نجمة» (1956)، لكنّ الجيل الجديد يجهل أعماله المسرحية». كما أطل أخيراً في فيلم «تاغناويتود» للمخرجة رحمة بن حمو مدني. أمّا ألبومه الأخير Marchez noir (2009) فيفتتحه بأغنية «صباح الخير» المستمدة من أعمال والده الشعرية. «صباح الخير حياتي/ صباح الخير قنوطي/ صباح الخير جميعاً/ أعود إليكم بفاه الصنديد المتوحّد/ وها هي حياتي مجمعة كحبات الغبار».


5 تواريخ

1972
الولادة في الجزائر العاصمة
1981
اكتشاف موسيقى الكناوى التقليدية
في الصحراء الجزائريّة

1992
تأسيس فرقة «كناوى ديفيوجن»
التي استمرّت ١٥ عاماً

2009
تأسيس فرقة «السمّ الأحمر»
وإطلاق ألبوم Marchez noir

2010
يعمل على إعادة إحياء
مسرحيّة لوالده كاتب ياسين
بعنوان «محمد خذ حقيبتك»