كان يوم نساء السجناء الإسلاميين طويلاً أمس. بدأ أمام سجن رومية المركزي. هناك اعتصمن. أردنا مواجهة لم تحصل، فقطعن الطريق احتجاجاً. التجأن إلى المفتي قبّاني، لكن الجيش طردهن بالقوّة. قصد بعضهن دار الفتوى، فخرجن بوعد مساعدة، فهل يتحقق؟
رضوان مرتضى
نسوة اتّشحن بالسواد، وقفن أمام السجن المركزي في رومية أمس. غضبٌ عارم يختزن صدور تملأها اللوعة. حركات أيدٍ وعيون دامعة تشي بعمق الألم الذي يحملنه. تقترب منهن سائلاً عن مرادهن، فيتكاثرن حولك قبل أن يمطرنك بعبارات الشكوى والاستياء. يتحدّثن عن ظلمٍ كبير. واحدة تذكر عدد سنين بُعدها عن ابنها، وأُخرى تُخبر عن حالها بعد سجن زوجها. وبين هذه وتلك، تقترب امرأة برفقة ابنتها. تحكي عن زوجها الذي دخل السجن بعد ولادة طفلتها بأشهر قائلة: «أصبح عمرها اليوم ستّ سنوات».
المشهد الأول ينتهي بدخول الأمهات والزوجات إلى السجن المركزي لمواجهة أبنائهن وأزواجهن. مرّ وقتٌ ليس بطويل، فخرجت الداخلات بألسنٍ تلهج بعبارات الاستياء. لم تجرِ المواجهة وفق المقرر. تسأل: «هل مُنعتم من المواجهة؟»، فيأتيك الجواب: «يريدون إذلالنا». أما السبب، فتذكر النسوة أن إدارة السجن سمحت لهن بالمواجهة بشروط مذلّة، لذلك رفض الرجال المواجهة. وأشارت هؤلاء إلى أن رجالهن رفضوا المواجهة مكبّلين بالأصفاد وبرفقة كلٍّ منهم حارسان، فهذا بنظرهم «إذلالٌ ما بعده إذلال».
إذاً لقد خرجت النسوة غاضبات، فقطعن الطريق المؤدي إلى رومية احتجاجاً. قُطعت الطريق لفترة من الوقت قبل أن يتدخّل عناصر من الجيش لفتحها. الغضب كان لا يزال مسيطراً، فاقترحن الذهاب إلى منزل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قبّاني لطلب المساعدة.
انتزع الضابط الهاتف من يد إحدى المعتصمات وحطّمه
مشهدٌ آخر: النسوة أنفسهن يقفن أمام المبنى الذي يقطن فيه المفتي، مطالبات بمقابلته. طلبهن قوبل بالرفض، إذ لا تمكن المقابلة من دون موعدٍ مُسبق. مرّت دقائق، فتصاعد صراخ النسوة. قلن إنهن لن يغادرن قبل رؤيته. حضر جنود الجيش بالهراوات وطردوا النسوة المتجمّعات بالقوّة. كانت إحداهن تُصوّر ما يحصل، فاقترب منهن الضابط المسؤول منتزعاً الهاتف من يدها. صرخ بوجهها قبل أن يضرب الهاتف بالأرض ويحطّمه. تفرّقت النسوة خوفاً من هراوات الجنود وصراخهن، وقررن الذهاب إلى دار الفتوى. هناك نفّست النسوة عن غضبهن. تقترب إحداهن رافعة يدها المصابة من ضربة جندي. ترفع صوتها بالدعاء على المفتي. امرأة في الزاوية الأخرى تشكو همّها لله. تقارن بين المفتي والسيد نصر الله، يسمعها ابنها فيضيف: «سنشطب كلمة سنّي عن مذهبنا ونضع مكانه شيعي». يتحدث هؤلاء عمّا حصل مع الشيخ عمر بكري، فقد تدخّل الأمين العام لحزب الله ليُخرجه بعد عشرة أيام من توقيفه.
وكان الاعتصام قد بدأ أمام سجن رومية المركزي عند الساعة العاشرة من صباح أمس. تجمع نحو أربعين امرأة من نساء السجناء الإسلاميين، بالإضافة إلى لجنة محامي الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين. استمر الاعتصام لنحو ساعة، قُرئ في خلاله بيانان، أحدهما باسم أمهات السجناء الإسلاميين وزوجاتهم، والآخر باسم لجنة محامي الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين. تلت بيان الأمهات والدة الموقوف بلال المصري، فشرح المقطع الأول منه سبب قدومهن: «أتينا لنتكلم على مأساة أبنائنا، هم خلف القضبان، وفي قلب الظلم والطغيان، وفي غياهب الظلام وتسلّط السجّان وخذلان الإخوان. هم السجناء الإسلاميون في لبنان». وصف البيان معاناة السجناء، نافياً ما يُروَّج عن «تدليل» السجناء الإسلاميين. وتوجه الموجودون إلى الرؤساء الثلاثة ووزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي وقضاة المحكمة العسكرية، حيث طالبوهم بالعدل والإنصاف قبل أن يُختم البيان بعبارة: «إن أبيتم إنصاف أبنائنا، نقول لكم: دعوهم يموتوا بسلام في إضرابهم ليرتاحوا من دنيا لم يعيشوا فيها بسلام».
أما البيان الآخر الذي تُلي باسم لجنة محامي الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين فحمل عنوان: «فلتطبق أبسط قواعد حقوق الإنسان في سجن رومية». بدأ بيان المحامين بالحديث عن الإهمال في سجن رومية، قبل أن يُعلن باسم المحامين مجموعة من المطالب، أبرزها التضامن مع الموقوفين الإسلاميين بإضرابهم عن الطعام وحثّ المسؤولين في السجن على إحسان المعاملة مع السجناء كي تكون فرصة للإصلاح. وتطرّقت المطالب إلى تأهيل السجن ليراعي المعايير العامة. وأكّد بيان المحامين وجوب معاملة جميع الموقوفين بالمثل وعدم التمييز بينهم «أسوة بالإجراءات السريعة لمحاكمة الشيخ عمر بكري فستق». وطالب المحامون بضرورة البتّ السريع للأحكام، وخفض أمد التوقيف الاحتياطي، علماً بأن هناك عدداً من السجناء الذين ما زالوا تحت التوقيف الاحتياطي منذ أربع سنوات، من دون أن تبدأ محاكمتهم. ولفت إلى ضرورة بتّ طلبات إخلاء السبيل للموقوفين الذين تجاوز سجنهم مدة العقوبة المتهمين بها. وختم البيان بدعوة الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري إلى الاهتمام بالموضوع لتبرئة المظلوم.


«تهدئة وتطييب خاطر» في دار الفتوى

انتدب المفتي محمد رشيد قبّاني مدير العلاقات العامة في دار الفتوى الشيخ خلدون عريمط لمقابلة نساء السجناء الإسلاميين، فحضر الشيخ عريمط للاستماع إلى مطالب النسوة. طلب إليهن كتابة مطالبهن على مذكرة وتقديمها إليه، لرؤية ما يمكن فعله، رغم أن مطالبهن كان قد أعلنها السجناء الإسلاميون في بيان صادر عنهم منذ عدة أيام عندما بدأوا إضرابهم المفتوح عن الطعام. حاول الشيخ عريمط تهدئة النسوة بالاستماع إليهن، فاتصل بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي للتوسّط لديه في ما يتعلّق بالإجراءات المتّخذة داخل السجن المركزي، وكذلك فعل مع المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا. واتّفق الشيخ عريمط مع أهالي السجناء الإسلاميين على مقابلة وفد منهم اليوم للوقوف على مطالبهم ولرفعها إلى سماحة المفتي.


لقطة

استقبل وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، أمس، وفداً من كبار ضباط الشرطة الفرنسية برئاسة المدير العام للدرك الوطني الفرنسي الجنرال جاك مينيو، وحضر عن الجانب اللبناني فريق عمل الوزارة.
عرض بارود مع الوفد التعاون المشترك بين الوزارتين، وجرى التطرق إلى موضوع السجون وإمكان التعاون في مجال التدريب والتجهيز لإدارة الأزمات التي تقع في السجون اللبنانية.
وكان الوزير بارود قد وقّع اتفاقاً مع الكلية الوطنية الفرنسية لإدارة المؤسسات العقابية، حيث سيُرسَل ضبّاط من قوى الأمن الداخلي دورياً إلى فرنسا لإجراء دورات تدريب وتأهيل في هذا المجال.