اجتياح جديد لمنازل البقاع، جاء هذه المرة من أوكار الفئران التي لم تجد ما تقرضه في الحقول المجدبة، فخرجت على الناس تعضّ كل ما يقع تحت أسنانها
البقاع ــ رامح حمية
«ما لحقنا عزّلنا وفرشنا السجاد، حتى هجمت الفئران. صرنا قاتلين سبعة، وخايفة يكون بعد في!». بقرف واشمئزاز، تروي هدى البواري ما يحصل لها ولبيتها، وهي في الوقت ذاته تزرع لوحات صغيرة لاصقة، تستعمل فخاخاً للفئران، في جميع أرجاء المنزل. وأضافت إلى الفخاخ نثر حبيبات صغيرة من السم عند مداخل البيت في محاولة للقضاء على العدو الجديد الذي يغزو خلال هذه الفترة منزلها، «بالصيف كنا نخاف العقارب والأفاعي، واليوم طلعتلنا الفئران» تقول.
حال هدى مع الفئران انسحب على عدد كبير من البيوت في القرى المحاذية للسهول والحقول، وحتى الجردية منها. فتداعيات التغيرات المناخية التي شهدها لبنان الشتاء الماضي لم تنته بعد، ففأر الحقل لم يقتصر وجوده على حقول القمح والشعير في الصيف، بل يبدو أنه يُعدّ لغزو كبير.
فوزات حمية، ورغم سكنه في الطابق الثاني، إلا أنه عثر في منزله على فأرة تمكن من قتلها برشها مباشرة بالسم، لكنه فوجئ في اليوم التالي بوجود أكثر من خمسة فئران قتلها على التوالي. أما فاطمة حيدر، فقد أشارت من جهتها إلى أن الفئران تدخل البيوت في بعض الأحيان بواسطة بعض الأغراض، مشيرة إلى أنها اشترت منذ أيام «كرتونة بطاطا» من أحد المحال، ولدى إدخالها إلى المنزل فوجئت بفأرة «تنطّ» منها، حيث تكفل الزوج بقتلها، فيما اكتفت هي «بالصراخ»، «لأنو منظرها مقرف» كما تصفها.
خلو السهل الذي كانت الفئران فيه من الحبوب دفعها إلى المنازل
لكن الفئران لم تغز منزل حسين الضيقة، بل فضلت شتول الخس الصغيرة داخل خيمه البلاستيكية. وأشار الرجل إلى أن أعداداً هائلة من الفئران موجودة في السهل، وبرغم نصبه للمصائد ورشه السموم، يكتشف أن ثمة أعداداً منها ما زالت محيطة بالخيم. إلا أن اللافت هو ما حصل مع أحد المواطنين (عسكري) حيث عضته فأرة أثناء نومه في إصبعه، ما جعله بحاجة إلى عناية طبية.
هكذا إذاً، برزت أمام البقاعيين مشكلة غزو «لم تكن في البال»، ويعود سببها بحسب رأي المزارعين إلى «خلو السهل الذي كانت الفئران فيه من الحبوب والخضار»، الأمر الذي دفعهم إلى التوجه إلى المنازل بحثاً عن الطعام، كما يؤكد المزارع حسن زعيتر، مستطرداً: «وبما أن المحاصيل فُتك بها، بعدما تخلى المزارعون عنها وتركوها بالأرض» صيفاً، فقد مثّلت عند الفئران غذاءً مميزاً، مضيفاً أن ما تشهده القرى من «هجمة» فئران وحشرات وأفاعٍ، مرده إلى «تقاعس الدولة عن معالجة المشكلة يوم رفعنا الصوت، وأشرنا إلى أن الفأر لم يُبق أخضر ولا يابساً» يقول زعيتر.
رئيس مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية الدكتور ميشال إفرام أكد لـ«الأخبار» أن ما يعانيه أهالي البقاع «سيتفاقم مع الوقت، وسيشهدون أعداداً هائلة تغزو منازلهم وحقولهم، وما يحصل اليوم هو عبارة عن بداية، وخاصة أن الطقس يساعد على تفاقم الأمور»، موضحاً أن «فأر الحقل سيقصد البيوت، سواء السهلية أو الجردية، للحصول على الطعام؛ لأن السهل يصبح خالياً خلال هذه الفترة من السنة من الحبوب» يقول إفرام.
انخفاض درجات الحرارة ليلاً حتى 5 درجات لا يؤثر نهائياً بفأر الحقل، بحسب إفرام، بل يحتاج إلى 5إلى 6 درجات تحت الصفر، أو ثلوج تتبعها موجة جليد، عندها يمكن فقط القضاء فعلياً عليها. وعن سبل الوقاية، لفت إفرام إلى أنه يجب على الأهالي الحصول على السموم التي تقضي على الفئران، وهي توزع حالياً مجاناً في مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية في تل عمارة.
بناءً عليه، وإذا كانت التغيرات المناخية قد ساعدت في تكاثر الفئران وفي توجهها صوب المنازل بحثاً عن الطعام، يبرز سؤال كبير عن حالة المزارعين الذين يتهيأون حالياً لنثر بذور القمح والشعير الشتوي، على الرغم من تأخر هطول الأمطار حتى هذا الوقت. ويرى إفرام أن المشكلة كبيرة وتكمن في أن توقعات الأرصاد الجوية لدينا تظهر أنه لا أمطار حتى نهاية شهر كانون الأول، الأمر الذي ينذر «بوضع حرج» كما يؤكد إفرام. وينبغي أن تتضافر جهود الجميع للحؤول دون خسارة المزارعين مواسمهم المقبلة.