strong>باسم الحكيملم يخطر في بال أنطوان غندور يوماً أنه سيشق طريقه في السيناريو، إذ أعدّه والده يوسف للعمل في التجارة، هو الذي كان يعمل في الطحين في أنطلياس. حياة الكاتب الذي ولد في نيسان (أبريل) 1942، تكاد تكون مجهولة قبل عام 1960. قلّما تحدث عن والدته جميلة مراد التي فقدها قبل أن يبلغ العشرين، ولا عن دراسته الابتدائية والمتوسطة في القسم الداخلي في مدرسة «الشانفيل»، يوم كان مقرّها في جونيه، ثم انتقل إلى «الحكمة»، حيث درس علم النفس لعامين. حياته مذ بلغ سن الرشد اتخذت شكلاً آخر. في سن الأربعين، عاش قمّة نجاحاته مع «بربر آغا» و«أخوت شاناي» و«أربع مجانين وبس».
في الطفولة، كان عاشقاً لأدب إحسان عبد القدوس ويوسف حبشي الأشقر وتوفيق يوسف عوّاد، فظهرت ميوله الكتابية باكراً. لعواد بصمة كبيرة في حياته. ليس فقط اسم الأب ما يجمع بين أنطوان يوسف غندور وتوفيق يوسف عوّاد. قدّر لكليهما أن يخطّا أول طريقهما مع الكتابة في سن الـ18. خاطب الرجلان المواطن اللبناني كل بأسلوبه. فالأديب الراحل نقل صورة واقعيّة عن شوارع العاصمة وناسها. وتحضر صورة مشابهة للناس العاديين في النصوص الدراميّة لغندور بخلاف ما يحلو لبعض الكتاب اليوم تصوير رجال أعمال ومنازلهم الفاخرة وعلاقاتهم النسائية التي لا تنتهي، وقضايا الثأر والانتقام.
بعد نصف قرن بين الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، تبدو الإذاعة المكان الأحب على قلب أنطوان غندور. وحالياً، ترك نصوصه التلفزيونيّة في الأدراج، وتمهّل في الاتفاق على عمله المسرحي الاستعراضي الجديد، وتفرّغ «للإذاعيات» في راديو «صوت لبنان».
منذ اللحظة الأولى للقائنا به، يشكو غندور مشكلة الإنتاج. لن يرضى بعد اليوم «دخول البازار... إلّا إذا اطلعت على جميع مراحل الإنتاج». يبدو هذا شرطاً، لن يتراجع عنه ما دام يحصل على مدخول يمكّنه من العيش بكرامة مع زوجته زينب عازار التي ارتبط بها سنة 1968، وأنجبا فادي وكريستيان المقيمين في باريس. يقول: «تزوجتني رغم كوني «نسونجي»، لكن يجدر بمن تتزوج فناناً أن يكون عقلها كبيراً».
طيلة الوقت، ينعى أنطوان غندور المسلسل اللبناني، «أعطني اسم فضائيّة عربيّة واحدة تعرض الدراما اللبنانيّة. على أي حال، أنا أؤيدهم في عدم عرض المسلسل اللبناني». ويضيف: «ظهرت الممثلة كارمن لبّس في أحد برامج طوني خليفة، وسألت رئيس مجلس إدارة mbc عن سبب عدم عرض الدراما اللبنانيّة على شاشته. وجاء الجواب بعد مدة في مجلة خليجيّة، وهو أن «المحطة اشترت مسلسلاً لبنانياً، فوجدوا نسخة مكسيكية مطابقة له، فأوقفوه بعد حلقات عدة». وجاء في الردّ أيضاً: «لا هوية لأعمالكم، والفقر واضح في إنتاجها»». ويواصل: «المشكلة أن للفيلم الهندي هويته الخاصة، وكذلك للفيلم الفرنسي والأميركي والمصري والسوري».
يترحم غندور على الماضي «يوم كنا في «تلفزيون لبنان» في الحازميّة، ننتج 7 مسلسلات أسبوعيّاً ونسوّقها إلى العالم العربي. لكنّ الظروف اختلفت، والكل سبقونا بأشواط: كتابةً وتمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً». ويلفت إلى أنّ «الكاتب كالطبيب، ينبغي أن يطّلع باستمرار على التقنيات الجديدة ومشاكل المجتمع المستجدة». ويشير إلى جمعه بين «التاريخ والحاضر والمستقبل في كتاباتي. قصة «أخوت شاناي» تعود إلى 300 سنة وأكثر». ويروي عن تجارب دراميّة متواضعة، كانت تصوّر في ديكورين، «ولا أدري كيف علقنا في أذهان الناس... لو صورت هذه الأعمال مجدداً، لحققت نجاحاً أكبر». يتذكر يوم دخل التلفزيون الرسمي لأول مرّة طالباً في الثامنة عشرة، بطلب من مدير البرامج رشاد البيبي «ليتعرّف إلى صاحب القصة القصيرة التي نشرتها معظم المجلات يومها بعنوان «تحت شجرة الزيزفون»، وفازت بالجائزة الأولى في مجلة «الهلال». فوجئ بأنني أصغر مما كان يتوقع. وطلب مني تحويل القصة إلى سيناريو بعنوان «بلا حقد». لم أكن أعرف ماذا يعني التلفزيون. ثم عرّفني مدير تحرير مجلة «الشبكة» ياسر الهواري إلى المخرج كاري كرابتيان، الآتي حديثاً من أميركا يومها. فأعطاني معلومات عن السيناريو، ثم أخرج لي فيلمين سينمائيين هما «غارو» و«كلنا فدائيون» الذي توفي أثناء تنفيذه، إضافة إلى فيلم «الفجر» للمخرج طوني أبو الياس»، ثم «كانت إيام» الذي كتب نصه باللهجة اللبنانيّة ثم تحوّل إلى المصرية مع صباح وعماد حمدي.
يفاخر بأنه أول من كتب حلقة تلفزيونيّة مدتها ساعة ونصف الساعة ضمن سلسلتي «كانت أيام» و«أديب وقصّة»... وذلك... « بديكورين فقط»: «وقتها كانت تعرض برامج ابو سليم وابو ملحم مدة نصف ساعة». يعتز بـ «40 عملاً كتبتها، احتلت المرتبة الأولى وفق الإحصاءات». ويتذكر أعماله بحماسة من «الحي اللاتيني»، و«دويك والمغناطيس»، و«الخطيفة»، و«سقوط زهرة البيلسان» الذي حاز جائزة التلفزيون الأولى في الكويت، و«عريس العيلة الدايم»، «وزوج الآنسة» إلى «عجوب دايماً محبوب» الذي عرضه التلفزيون الأردني. ويردّ غندور على التهمة السائدة بأن تلك المسلسلات لم تكن أكثر من اعمال إذاعيّة تقدم في التلفزيون: «كنا نتنقل بين ديكورين فقط، ويمنع علينا التصوير الخارجي، فكيف تريد أن يحدث هذا إلّا بالحوار، لكن أعمالي الأخيرة اختلفت تماماً». ويذكّر غندور بأن الكاتب، مع تراكم التجارب والأعمال، يصبح أكثر قدرةً على الإحاطة بالنفسيات، بينما الممثل يعتمد أيضاً على شكله ومظهره. وفي النهاية يحزن على حال الكاتب المخضرم في سوق الدراما هذه الأيّام: «لا يختلف أجري عن أجر أي كاتب جديد، وآلية الإنتاج الدرامي باتت تخضع لسلطة مافيات تتحكّم باللعبة من أوّلها إلى آخرها».
ينتظر غندور هذه الأيّام مشروعاً اتفق عليه مع مكتبة «أنطوان» التي ستنشر بعض مسرحياته في مجلدات خاصة. كما يُعدّ لبعض الوثائقيات بتكليف من lbc، وقناة «الجزيرة» والتلفزيون التونسي. أما حلم العودة إلى المسرح، فيراه بعيداً «لأن إنتاج أي مسرحية يكلّف مبالغ طائلة. وحادث بسيط أمام المسرح، يوقف العرض».


5 تواريخ

1942
الولادة في عين علق ــــ قضاء المتن (لبنان)

1969
كتب سيناريو فيلم شهير «كلنا فدائيون» الذي توفّي مخرجه كاري كرابتيان في حادث حريق خلال التصوير

1990
كتابة مسرحية «طانيوس شاهين» بعد سبع سنوات على مسلسل «بربر آغا»

2003
كتابة مسلسل «صدفة» الذي نال العديد من الجوائز

2010
تنشر «مكتبة أنطوان» قريباً مسرحياته في مجلدات ويُعدّ لوثائقيات جديدة