نقيلك أحلى لمبة» تستعير وزارة الطاقة والمياه مطلع أغنية الفنان الراحل زكي ناصيف للترويج لحملتها الإعلامية لتوزيع 3 ملايين لمبة موفرة للطاقة منذ مطلع تشرين الأول الماضي. لكن هل «اللمبة الأحلى» موفّرة فعلياً، وماذا عن نوعيتها وطريقة التخلص منها؟ وهل فعلاً هذا المشروع سيتيح بناء معمل طاقة بقدرة 160 ميغا واط
بسام القنطار
تطرح حملة وزارة الطاقة لتوزيع 3 ملايين لمبة موفرة للطاقة، مجموعة من الأسئلة بشأن صدقية الإنارة الموفّرة ووضعها وأين أصبحت اليوم؟ وما هي حقيقة الأرقام المتداولة عن الوفر الذي نجنيه من تركيبها؟ وما هي المعايير المعتمدة لهذه الأرقام، ومَن المخول الحديثَ عن المواضيع العلمية والتقنية عموماً؟
تمويل هذه الحملة جاء بناءً على قرار لمجلس الوزراء بتحويل الأموال المخصصة لدعم المازوت في فصل الشتاء، بعدما تبين أن هذا الدعم استغله كبار التجار على حساب المواطنين.
وبحسب الوزير جبران باسيل «فإن هذا المشروع يقدم ولأول مرة في لبنان دون أي احتكار لأي مادة أو سلعة يستفيد منها جزء من اللبنانيين على حساب جزء آخر (...) فتكون الحكومة اللبنانية في صدد تقديم دعم للمواطنين ولنفسها في الوقت نفسه، وهي إفادة مباشرة للجانبين».
لكن الحديث عن الأرقام يفترض الدقة، ولا يحتمل التأويل، لذلك كان من المفترض بالمتحدثين عن أرقام الإنارة الموفرة الاعتماد على مصادر موثوق بها. هكذا، يتحدث المسؤولون عن توزيع 3 ملايين لمبة موفّرة بكلفة إجمالية قدرها 7 ملايين دولار (3 لمبات لكل منزل) تعمر 4 سنوات وتوفّر سنوياً مبلغاً بدأ بـ 38 دولاراً ووصل اليوم إلى 24 دولاراً.
لكن السؤال المطروح هو عن نوعية لمبة موفّرة سعرها أقل من 2.5 دولار، وربطاً هل يستطيع أحد أن يصدق «مبالغة» أن استخدام هذه اللمبات سيوفر ما بين 100 الى 150 دولاراً على مدى 4 سنوات؟
وفي هذه الحالة يُطرح سؤال عن أهمية أن تمنح كل عائلة لبنانية 7 دولارات مجاناً، وكم هي نسبة العائلات التي تعجز عن دفع 7 دولارات إذا كانت متأكدة أنها ستوفر 100 دولار. الدكتور عدنان جوني، خبير الطاقة الذي عمل سنوات في مشروع ترشيد استهلاك الطاقة، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أكد في حديث لـ«الأخبار» أنّ وزارة الطاقة كان يمكنها أن تطلق حملة شرح وإقناع للمواطنين عن هذه اللمبات، وعن أهميّة استخدامها بدلاً من الحديث عن أرقام توفير خيالية غير مضمونة.
وبحسب معلومات جوني فإن اللمبات التي يجري توزيعها من النوعية المتوسطة، وهي مصحوبة بتيار كهربائي غير منتظم، لذلك لن تعمّر في بيوتنا إلا عدة أشهر، وفي أفضل الأحوال لن تناهز السنة. بدوره يلفت خبير في منظمة أندي آكت د. ناجي قديح، والمسؤول عن حملة الحد من الملوثات، أن التخلص من اللمبات الموفرة للطاقة يجب أن يجري بعناية لأنها تحتوي على بخار الزئبق، وهي مادة مضرّة جداً بالصحة.
ويؤكد قديح أن العمل المسؤول يقتضي إيجاد آلية واضحة لاستعادة المصابيح من المستهلك بعد استعمالها لمعالجتها، وذلك قبل التفكير حتى في عمليات الشراء والتوزيع، ووضع معايير واضحة لحماية المستهلك تضمن نوعية جيدة للمصابيح الموفّرة حتى لا تأتي النتائج كارثية ومناقضة تماماً للنوايا الحسنة.
وبالعودة الى موضوع الوفر، يؤكّد د. جوني، أن الأرقام المطروحة بشأن استخدام اللمبات الموفرة، كغيرها من المعلومات الإحصائية عن الاستهلاك ونسب توزعه على مختلف القطاعات والتجهيزات المنزلية، غير موجودة في لبنان. يحمّل جوني مسؤولية تقديم هذه الأرقام لمشروع ترشيد استهلاك الطاقة، الذي كان من المفترض، بحسب ما هو متفق عليه بين وزارة الطاقة والمياه وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن يؤمن معلومات بطريقة مفصلة ودقيقة، وأن تمثّل هذه المعطيات الإحصائية التي يقدمها البرنامج أساساً لكل خطط الإصلاح والتنمية والتطوير لقطاع الطاقة، وبها تُرسَم السياسات الطاقوية، ومن دونها تبقى كل هذه الخطط حبراً على ورق. يرى جوني أن أرقاماً كثيرة تُرمى، وبطريقة عشوائية ومتناقضة تفتقر إلى أدنى حدود المسؤولية. فمن جهة أعلنت وزارة الطاقة توفير حوالى 160 ميغاواط كقدرة إنتاجية ممّا يجنّبنا بناء محطة إنتاج جديدة إذا جرى التوزيع العادل لهذه اللمبات.
تشير الإحصاءات العالمية إلى أن الإنارة تمثّل حوالى 10% من معدل استهلاك التيار الكهربائي، وهو معدل بالطبع يختلف من بلد إلى آخر، فلكل دولة خصوصيتها المتعلقة بأمور عدة. ففي بريطانيا مثلاً يصل هذا المعدل إلى حوالى 12% لأنها بلد الضباب ولا تُرى الشمس فيها كثيراً. أما في لبنان، بلد الشمس، فمن المنطق أن يكون هذا الرقم أقل بكثير. يشير جوني الى أنه إذا كانت القدرة الإنتاجية لشركة كهرباء لبنان هي 1400 ميغا واط فهذا لا يعني أن الإنارة تمثّل 140 (أي 10% من معدل الاستهلاك)، فهناك فرق مبدئي بين القدرة والطاقة المستهلكة، ومصابيح لبنان لا يمكن أن تضاء في آن واحد.
لكنّ جوني يرى أنه حتى لو كنا متفائلين وسلّمنا برقم 140 ميغاواط، وسلّمنا أيضاً بأن القطاع المنزلي يمثّل 60% من معدل استهلاك الطاقة الكهربائية، وافترضنا أن معدل استعمال الإنارة الموفرة اليوم هو 50% (بأقل تقدير)، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الهدر غير التقني المقدّر بـ 25%، وكذلك كمية استهلاك الإنارة الموفرة، فسنصل الى رقم متواضع لا يتعدى 22 ميغاواط، بشرط نجاح عملية التوزيع 100%. ويخلص جوني الى أنه في أقصى حدود التفاؤل يمكن الحديث عن رقم متواضع لا يتجاوز 10 ميغاواط، علماً أن سبب التوفير، بغضّ النظر عن الرقم الذي يجب أن تقاس به الطاقة والكمية المستهلكة أو الموفّرة، لا يجري باعتماد الطريقة الحالية أي بالقدرة الإنتاجية أو الموفّرة، وهذا يعني أن استعمال الإنارة الموفّرة لا يمكنه، أن يخفض القدرة القصوى ولا يمكنه بالتالي أن يوفّر معمل 160 ميغاواط أو حتّى 10 ميغاواط.


لبنان والزئبق

يعاني لبنان نقصاً كبيراً في الدراسات عن الزئبق، وكان يُفترض منذ عام 2003، بناءً على توجهات الأمم المتحدة، وضع مسح وطني عن الزئبق في لبنان. يستورد لبنان العديد من المنتجات التي تحوي مادة الزئبق، مثل ميزان الحرارة، آلة الضغط، حشوة الأسنان، أجهزة قياس الضغط الجوي، مصابيح التوفير وغيرها، وكلها تحتوي على الزئبق. وليس هناك أيّ استراتيجية لكيفية معالجة المنتجات المستهلكة والمحتوية على مادة الزئبق بعد أن تتحول الى نفايات، ووضع نظام لجمعها بطريقة منفصلة تمهيداً لمعالجتها بدلاً من رميها مع النفايات المنزلية.