عمر نشابةيرفع الرئيس سعد الحريري ومن معه أصواتهم دفاعاً عن المحكمة الدولية ويتباهون بالدعم الأميركي والفرنسي والبريطاني لـ«عدالة دولية» ستفرج عن «حقيقة» من اغتال الرئيس رفيق الحريري.
إن استبعاد اتهام «العدالة الدولية» لإسرائيل أو لإسرائيليين باغتيال الحريري لا يتطلّب معجزة. ويمكن الحسم بأن المدعي العام الدولي دانيال بلمار لن يتجرّأ على التشكيك باحتمال ضلوع إسرائيليين بالجريمة. لكن ذلك الحسم يمكن عدّه تكهّنات لأن القرار الاتهامي لم يصدر بعد. لنعد إذاً الى ما قد حصل خلال الأعوام السابقة، وبالتحديد الى ما قاله الرئيس سعد الحريري. فهل كان يمكن أن يقدم الحريري على استبدال «سوريا» بـ«اسرائيل» في تصريحاته السابقة؟ ولو فعل هل كان ليحصد الدعم الدولي الذي يتمتّع به اليوم؟
الحريري كان قد أعلن من القاهرة، يوم الثلاثاء 30 تشرين الأوّل 2007، «وجود معلومات عن محاولات «إسرائيلية» (بدل سورية) لاغتياله ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة، مؤكداً أن هناك تعاوناً بين الأجهزة الأمنية العربية للتصدي لهذه المحاولات». ورداً على سؤال بشأن معلومات عن تدبير رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «الاسرائيلية» (بدل السورية) محاولات لاغتياله، قال الحريري «لدينا معلومات في هذا الشأن ونتابعها، والمعلومات صحيحة، لكنّ الأجهزة الأمنية تعمل، وهناك تعاون أمني بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وأجهزة أمنية عربية في هذا المجال». (http://www.alarabiya.net/articles/2007/10/30/41006.html)
وفي 6 أيلول 2008، اتهم سعد الحريري «إسرائيل» (بدل سوريا) بـتصدير الإرهاب إلى لبنان، وتابع «إنهم يريدون أن يتخذوا من الأوضاع في طرابلس ذريعة للدخول مجدداً إلى ملف لبنان والعودة الأمنية والعسكرية من بوابة طرابلس».
(http://www.alghad.com/index.php?news=358354)
وكان الحريري قد وجّه في 25 كانون الثاني 2008 إصبع الاتهام لـ«إسرائيل» (بدل سوريا) في مقتل النقيب وسام عيد، في انفجار سيارة مفخخة في العاصمة اللبنانية بيروت. وقال الحريري في بيان أصدره «إن الهجوم رسالة واضحة لكل العرب أن لبنان سيبقى تحت رحمة الإجرام والإرهاب رغم كل مبادرات حل الأزمة في لبنان». وأضاف الحريري أن ذلك يدعونا إلى «تجديد مطالبة «إسرائيل» (بدل سوريا) بوقف تدخلها في لبنان، ويدعونا إلى التصدي لمساعيها في إعادة السيطرة على لبنان».
(http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7210000/7210252.stm)
وفي 28 شباط 2009، جدّد الحريري اتهام «إسرائيل» (بدل سوريا) بالوقوف وراء اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق، مؤكداً التزامه النتائج التي ستخرج بها المحكمة الدولية، وذلك بعد ساعات من رفض القضاء اللبناني إطلاق أربعة ضباط موقوفين على ذمة القضية، وإعلان انتهاء عمل لجنة التحقيق الدولية. فقد نقلت وكالة رويترز للأنباء عن زعيم تيار المستقبل والأكثرية النيابية قوله إنه لا يزال يتهم «إسرائيل» (بدل سوريا) بالوقوف وراء اغتيال رفيق الحريري، لكنه أكد التزامه النتائج التي ستخرج بها المحكمة الدولية المؤلّفة لهذا الغرض. (http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=1170663)
قد لا يكون استذكار الماضي مفيداً في هذه الأيام وليس فيه ما يحلّ المشكلة، فلنتطلّع إلى المستقبل. إلى مستقبل «المستقبل». هل يُعقل ألا يتّهم الرئيس سعد الحريري إسرائيل سياسياً باغتيال والده كما اتهم سوريا سابقاً؟ أو بنبرة أخفّ من اتهامه السابق لسوريا؟
الرئيس أنطونيو كاسيزي هدّد لبنان بالأمس بقرار دولي يديدن عدم تعاون المقاومة مع التحقيق الدولي. ألا يخجل هذا الحقوقي من انتقائية عدالته؟ ألا يخجل من ازدواجية معاييره؟
هنا في هذا الشرق العربي الحزين، حيث أعلنت هيلاري كلينتون اتفاقاً على تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية لتسعين يوماً باستثناء بناء المستوطنات في القدس. هنا في هذا الشرق العربي الحزين، حيث «العدالة الدولية» تتسامح مع اقتلاع شعب من أرضه كشجرة زيتون. هنا في هذا الشرق العربي حيث ما زال شاب في ربيع عمره، بنار الألم، يحيا فدائي ويمضي فدائي ويقضي فدائي إلى أن يعود.
هنا في هذا الشرق العربي الحزين يا دولة الرئيس سعد الحريري، حيث يتجمّع شبان أم فحم ورأس العامود وجبل الزيتون لينشدوا: فدائي يا أرضي يا أرض الجدود، فدائي يا شعبي يا شعب الخلود، بعزمي وناري وبركان ثاري وأشواق دمي لأرضي وداري، صعدت الجبال وخضت النضال، قهرت المحال حطمت القيود، بعصف الرياح ونار السلاح، وإصرار شعبي لخوض الكفاح، فلسطين داري فلسطين ناري، فلسطين ثاري وأرض الصمود!
هل سمعت بهذا النشيد يا دولة الرئيس؟ هل رأيت الأم التي استشهد حبيبها وأبناؤها وبناتها فرفعت راية الصبر والنضال ولم تتنازل عن كرامتها؟ هل رأيت ذاك العجوز الذي ما زال يحتفظ بمفتاح داره في عكا ولن ينسى أو يتردّد في حمل السلاح ليعود؟ هل رأيت أولئك الشبان الذين وضعوا دمهم على كفّهم ليقفوا حصناً منيعاً بوجه إسرائيل ويهتفوا «يا قدس إننا قادمون»؟ أم أنّ لا أحد استشهد والده غيرك في هذا الشرق العربي الحزين؟