انقلبت المياه العذبة مياهاً آسنة في نهر الشرندي في زغرتا. هذا «الانقلاب» ليس مفرحاً للأهالي القريبين، حيث إنّه لم يصبهم من هذه الجيرة سوى الروائح الكريهة
رشعين ــ فريد بو فرنسيس
قبل بضعة أعوام، كان نهر الشرندي مصدراً أساسياً لريّ المزروعات في عدد من القرى الزغرتاوية. بعد ذلك انقلبت المياه العذبة في مجاريه إلى مياه آسنة، وتحوّل مصبّاً للمياه الآسنة في بلدات مرياطة ورشعين وإرده وحرف إرده والسويدات ـــــ كفردلاقوس التي تغيب عنها شبكة الصرف الصحي. هكذا، تحوّل النهر مجروراً، والأهالي الذين كانوا حتى وقت قريب «يكزدرون» عند ضفافه، باتوا يشكون من روائحه الكريهة التي تجلب لهم الأمراض.
«لم نعد نستطيع تحمل الروائح الكريهة، لقد ضقنا ذرعاً بهذا الوضع السيّئ الذي لا حل له»، تقول ريما موسى، إحدى القاطنات في حي بيت موسى المتفرع عن بلدة رشعين. باتت ريما تكره جيرتها مع الشرندي، شاكيةً «مصائبه، فإضافةً إلى روائحه الكريهة، تهاجمنا الحشرات السامة التي لا تزال لسعاتها بادية على أجساد أطفالي». تؤيّد أغاتا موسى ما تقوله ريما، فتشير إلى أنه «عدا أننا لا نستطيع لا النوم ولا الراحة في منازلنا بسبب الروائح الكريهة التي تسبّب «ضيق نفس» وخاصةً عند الأطفال الذين لديهم ربو، فقد أصبح هذا النهر لكثرة الأوساخ فيه، بيئة حاضنة للحشرات والزواحف السامة». أغاتا وريما ليستا الوحيدتين اللتين تعانيان جيرة النهر ـــــ المجرور، إذ إنّ سكان هذا الحي أيضاً يشكون من روائحه. وتتفاقم المشكلة شيئاً فشيئاً، كلما اقتربنا من القرى التي يقع بعضها على حافة النهر.
«لو أن المياه تجري في النهر، لما كانت معاناتنا بهذه القوة، لكن المشكلة أنها في معظم الأحيان راكدة، وهو ما يؤدي إلى تخمّر الأوساخ وانبعاث الروائح منها»، يوضح جوزيف تامر، أحد القاطنين في بلدة كفردلاقوس والقريب من النهر. لا يجد تامر أن الحل قريب، والسبب أنه «لو بدو يبيّن شي، كان بيّن». ويقول «لا نرى أيّ بوادر للحل حتى الآن، لأنه لا البلدية تستطيع تحمل النفقات ولا نحن، والموضوع بحاجة إلى تدخّل جهات دولية وتبرعات للمعالجة». لكن، رغم كل هذه المعاناة، ثمة من اعتاد الرائحة، ومنهم تامر نفسه، ويقول إن «كثيرين تعوّدوا الروائح، لا بل تأقلموا معها، فقط عابرو السبيل يشعرون بها». كلما توغلت أكثر باتجاه زغرتا، ازدادت الشكاوى من المواطنين الذين تتشابه عندهم الأضرار: روائح وحشرات. ورغم أنّ بعض البلديات تدخلت جزئياً لحل تلك المشكلة، فإنّ تلك الحلول «جاءت عرجاء وينقصها حل جذري يتضمن مشروعاً متكاملاً يربط المجاري الآتية من المنازل بشبكات الصرف الصحي وتكرير مياه النهر في محطة التكرير في نهر أبو علي، وهو مشروع ضخم لا قدرة لأيّ بلدية على القيام به، نظراً إلى تكلفته المرتفعة وطوله الذي يصل إلى حدود الخمسة والعشرين كيلومتراً». وفي ظل هذا «العجز»، لا يجد الأهالي سبيلاً سوى انتظار الحلول الطبيعية، فهم ينتظرون فصل الشتاء «حيث تخف الروائح بمعدل النصف، بعد أن تختلط بها مياه الأمطار». يتشارك هذه المشكلة قسم من قضاء الضنية القريب جغرافياً من هذا النهر، لكن معاناة هؤلاء أخف وطأةً لكونها بعيدة بعض الشيء عنهم. ما تحوّل مجروراً، كان في السابق نهراً للري والكزدورة والثروة السمكية. وفي هذا الإطار، يروي توفيق سعد، أحد المعمرين في بلدة أرده كيف كان النهر «مكاناً للأسماك والسلاحف التي كانت تبيض فيه سنوياً، وكان يُعدّ رافداً أساسياً من المياه يروي به المزارعون بساتينهم وأراضيهم القريبة». وإلى ذلك كله، «كان مقصد الشباب للسباحة والترويح عن النفس، وخصوصاً في فترات الصيف الحار».