وسام كنعان
لا يمكن أحداً أن يكوّن فكرة وافية عن الدراما السورية، من دون التوقّف ملياً عند تجربة أيمن زيدان. مثّلت مسيرة «الإمبراطور» ـــــ كما لقبه بعضهم ـــــ نقطة تحول في صناعة اكتسحت الشاشات العربيّة. أن تدعوه إلى حديث حميم، مهمة شبه مستحيلة اليوم. كيف يستعيد قافلة الذكريات، وابنه نوار يختبر المرض بقسوة؟ رغم محنته هذه، لا يزال نوار، ابن الثامنة عشرة، يحتفظ بخفّة ظل نادرة ورثها عن أبيه، وقد رافقه في تقديم برنامج «لقاء الأجيال» على قناة «أبو ظبي» الفضائية خلال الموسمين السابقين.
بسبب هذا الظرف الاستثنائي، كان علينا أن نلتقي أيمن زيدان أكثر من مرة لنحاول عبثاً استدراجه نحو البدايات. لكنّ النجم السوري أصرّ على تحفّظه. «المرض بالنسبة إلى عائلتي أمرٌ طارئ لم نعتده، لذا أشعر به يحفر عميقاً في وجداني، ولا أجد رغبة في أيِّ حديث إعلامي».
يصعب اختصار حياة هذا الرجل وتلخيص منجزه الثري، ومشواره المشوّق. ذات يوم، كان أيمن زيدان نائباً في البرلمان السوري، ومدير أكبر شركة إنتاج سورية، ومخرجاً، وممثلاً.
مازح من حوله يومها قائلاً: «لم أترك شيئاً لغيري». لكنّ الشهرة لم تغيّر فيه شيئاً. بقي بسيطاً دافئاً وصادقاً، لا يجامل ولا يتردد في انتقاد المحيطين به بدافع الحب ـــــ لعلها ميزة الفنان الحقيقي. كل مَن عايش فترة ترشحه للبرلمان السوري أواخر التسعينيات يتذكّر أنّ الحشود كانت تنسى حدث الانتخابات لمجرد إطلالة النجم المحبوب. كان الناس حوله يرددون بصوت واحد «أسامة أسامة»، وهو اسم الشخصية التي أداها زيدان بإتقان في مسلسل «الجوارح» لنجدت أنزور.
لم تكن ظروف عائلة النجم السوري مهيأة للعيش الرغيد. في قريته الرحيبة في ريف دمشق، بين المسافات الشاسعة لسهول القلمون، نسج زيدان بداية الحكاية. قريته الرحيبة صنعت منه ذاك الإنسان الطيب. حتّى إنّ ألد أعدائه يعترفون بكرمه وطيبته. انتقل مع والده الموظف الحكومي إلى دمشق القديمة. مع إطلالة كل صباح، كان يرافقه صوت تلاوة القرآن من مسجّلة صغيرة، ممتزجاً بصوت والدته وهي تترضى على ابنها البكر. عند الحديث عن الحاجة أم أيمن، تدمع عيناه بمقدار حبه لهذه المرأة العظيمة. «أكثر ما أندم عليه في حياتي هي اللحظات التي أغضبت فيها أمي وتعاملت معها بجفاء».
منذ سنوات الدراسة الثانوية، كان هاجس التمثيل يلازم أيمن زيدان، حتى إنه عمل في المسرح التجاري ملقناً للممثلين. بعد ذلك، قرر النهوض «بالمسرح الشبيبي»، فأسس فرقة جالت المحافظات، وقدمت عروضاً في الساحات العامة. درس الحقوق وغادر الكلية بعد عام، ثمّ درس الاقتصاد، لكنّه تركه لأهله، وإذا بـ«المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق يفتح أبوابه. كان زيدان من متخرجي الدفعة الأولى عام 1981. «في قاعات المعهد، تحولت الهواية إلى حرفة، على أيدي أساتذة التمثيل ومنهم المخرج الراحل فواز الساجر، والفنان أسعد فضة». صار المسرح ملاذه الآمن. على خشبة المسرح الجامعي، حقّق نجاحاته الأولى، من خلال إخراجه لمسرحية «رحلة حنظلة» (1986)، تلتها «سوبر ماركت» (1992). هذا العرض مثّل قفزة في تاريخ المسرح السوري. أعاد تقديمه أكثر من مرة، وكان آخرها عام 2008. يومها، لم يتسع «مسرح الحمراء» للجمهور طوال أيام العرض. بعد العمل المسرحي، عاش زيدان نجومية الشاشة، مع مسلسلات أشهرها «اختفاء رجل» لمأمون البني، ثم مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» لهيثم حقي، و«الدغري» إلى جانب دريد لحام، إضافةً إلى بطولة سينمائية شهيرة في «أحلام المدينة» لمحمد ملص عام 1983.
جاءت فرصته الذهبية حين تسلّم زيدان إدارة شركة «الشام الدولية للإنتاج». في تلك المرحلة بالتحديد، اتكأ على رواية حنا مينه «نهاية رجل شجاع»، وغامر بموهبة نجدت أنزور الإخراجية، وقدمه للجمهور السوري لأول مرة. أدّى يومها دور بطولة مطلقة، متقمصاً شخصية مفيد الوحش، إلى جانب فارس الحلو وسوزان نجم الدين. حقق العمل نجاحاً مدوياً، وصار يشار إليه كمفصل في تاريخ الدراما السوريّة.
هكذا، كرت سبحة النجاحات المتتالية، على رأسها «أخوة التراب» بجزءيه، إضافة إلى العديد من الأعمال الكوميدية على رأسها «يوميات مدير عام» الذي حقق ما يشبه حظر تجول في سوريا لدى عرضه من دون أن ننسى «يوميات جميل وهناء».
بعد رحلته الطويلة، يشعر زيدان كأن سنوات الألق قد ولّت. منذ زمن وهو ينذر بالخطر، إذا أخلت بعض الشركات الكبرى الساحة الفنية السوريّة. وقد صرح سابقاً بأن الدراما التلفزيونيّة في بلاده تحتاج إلى قرار سياسي يتبناها. يعترف زيدان اليوم بأنه لم يحقق كل ما كان يصبو إليه. يشك في أنّ أحداً ما يمكنه قول اقتناعاته كاملةً في الدراما التلفزيونية السوريّة، المحكومة بالكثير من الشروط. ويبوح لنا بأنّه فقد الكثير من حماسته تجاه فن التمثيل. «ببساطة، كنا نعيش وهماً زائفاً». لهذا ربما وجد نفسه ينجز مجموعة قصصية بعنوان «ليلة رماديّة» (2008). كان ذلك حين قصد قرى الساحل السوري، لتصوير مسلسل «رجل الانقلابات». يومها، من دون سابق إنذار، اكتست تلك القرى وجبالها، بركام من الثلوج. حينها منع فريق التصوير من العمل، ومن العودة إلى دمشق أيضاً... كان الجو مهيّأً لينزع شيئاً من الحنين عن كاهله، ويدون أحاسيسه على الورق.
أبو حازم كما يناديه كثيرون، عاد أخيراً إلى ملاذه الآمن، خشبة المسرح، من خلال «راجعين» العرض الذي أهداه إلى روح الروائي الجزائري الطاهر وطار، وقد اقتبسه عن قصّته «الشهداء يعودون هذا الأسبوع». ها هو يستعد أيضاً ليدخل تصوير الجزء الثاني من مسلسله الكوميدي «يوميات مدير عام» الذي سيخرجه زهير قنوع. في هذا الوقت، يعوّل كثيرون عليه، وخصوصاً أنّه المرشّح الأبرز لمنصب نقيب الفنانين السوريين. «أريد أن أنهي رحلتي الفنية بأقل خسائر ممكنة، وأتمنى ألا تدفعني الظروف إلى خسارة الكثير من تاريخي الفني».


5 تواريخ

1956
الولادة في الرحيبة في ريف دمشق

1981
تخرج من الدفعة الأولى «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق

1993
قدم مسلسل «نهاية رجل شجاع» عن رواية حنا مينه، وعدّه النقاد نقلة نوعية في الدراما السورية

1999
أصبح نائباً في البرلمان السوري

2010
اختتم أول من أمس عروض مسرحية «راجعين» على خشبة «مسرح الحمراء» في دمشق، ويستعد لتصوير الجزء الثاني من «يوميات مدير عام»