أحمد عدنانعلى غرار شباب جيله، تأثر طيّب بالثقافة المصرية في الخمسينيات، وتحديداً بسلامة موسى، رائد الاشتراكية العلمية في بلاد النيل. وحين عمل في مدرسة «الثغر» في جدة، كان يؤنّب الطلبة الذين يتقاعسون عن أداء صلاة الظهر، ويهدي إلى المقربين منه كتب سلامة موسى... لعلّ هذا التناقض الجميل قادراً على اختصار شخصيّة طيّب الجدليّة.
لم يقتصر تأثير مصر في محمد سعيد طيّب على حدود الثقافة، بل تعدَّاها إلى فضاء السياسة. ثورة حزيران (يوليو) 1952، وخُطَب جمال عبد الناصر، صارت له حطباً يحرّض النار على التوهج. انهيار الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، دفع طيّب إلى الانخراط في النشاط السياسي داخل السعودية. انضمّ إلى تنظيم ثوري (الجبهة العربية لتحرير الجزيرة العربية)، ولاحقاً إلى «حركة القوميين العرب» في بيروت. نشاط سياسي كلّفه دخول السجن عام 1964. ألقي القبض عليه، لينادم في الزنزانة صفوة المثقفين السعوديين، أمثال عبد الكريم الجهيمان، وعابد خزندار، وعبد الله الجفري، وفهد العريفي. بعد خروجه من السجن، عمل طيّب في وزارة الحج مديراً لمكتب وزيرها الأديب الرائد محمد عمر توفيق. لكن نكسة 1967 جعلته يعاف الوظيفة، ويركب طائرته إلى الولايات المتحدة. كان وقع النكسة فادحاً، إلى درجة دبّ الشيب في جسد الشاب العشريني حينها. في بلاد العم سام، انخرط في «اتحاد الطلبة العرب»، وأسهم في دعم منظمة «فتح»، وجمع التبرعات لها إعجاباً بياسر عرفات. صيف 1969، عاد إلى السعوديّة، في إجازة سنوية أراد قضاءها مع والدته ومكتبته. لكن جهاز المباحث اعتقله وألقاه في سجن انفرادي لمدّة خمس سنوات ونصف، من دون محاكمة. خرج ليجد والدته مشلولة. لقد كان حينها كالخارج من الكهف. كان يحتاج إلى فترة طويلة ليلحق بركب ما فاته من أحداث وتطورات. هكذا عاش التاريخ بمفعول رجعي. من حسن حظه أن شقيقته احتفظت بالصحف والمجلات التي غطّت وفاة الرئيس عبد الناصر ثم نصر أكتوبر 1973.
عام 1975، أسهم في تأسيس «تهامة»، أول شركة متخصصة في العلاقات العامة والإعلان في السعودية، وتولّى إدارتها. خلال عقدين ونيّف من الزمن، نجح في تحويل «تهامة» إلى أكبر شركة إعلان في الشرق الأوسط. يبدو أنّ نشاط الدعاية والإعلان لم يناسب طيّب كثيراً، فسعى إلى إدخال «تهامة» إلى سوق النشر. هكذا، أنجز أحد أكبر المشاريع الثقافية في المملكة العربيّة السعوديّة، من خلال مواظبته على توثيق أدب الرواد ونشره، وتشجيع الأدباء والمفكرين الشباب. المشروع الثقافي لـ«تهامة» حقّق لها مكسباً وطنياً ومعنوياً لا يقدّر بثمن، لكنه، في المقابل، أثقلها بالخسائر المالية.
وذات يوم، قرّر محمد سعيد طيب أن يحقّق حلماً قديماً: الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة. كان ذلك في عام 1991، وقد قرر الرجل الحائز شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية مطلع شبابه، أن يبدأ من جديد وهو في أوائل الخمسين. تخرّج بنجاح، لكنّه تأخر عن ذلك عاماً كاملاً، بعد فترة اعتقال انفراديّة قصيرة (77 ليلة)، كانت ثمناً لرسالة سياسية ساخرة، بعثها إلى صديقه المعيّن حديثاً عضواً في مجلس الشورى الجديد عام 1993.
وفي القاهرة ذلك العام، أصدر محمد سعيد طيب كتيّباً بعنوان «مثقفون وأمير»، تحت اسم مستعار هو ياسر محمد سعيد. ناقش في الكتاب حقوق المرأة في بلاده، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقيمة الحوار والتنوع، والتأثير السلبي للطفرة الاقتصادية على المجتمع السعودي. نشر كتابه الرائد في وقت كان فيه سقف الصحافة السعودية يتوقّف عند حدود «النظافة من الإيمان»، و«خطورة التدخين». بعد عقدين على طبعته الأولى، ها هو يعيد إصدار «مثقفون وأمير» باسمه الصريح، عن «المركز الثقافي العربي»، ويوقّعه اليوم في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب».
بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، والضغوط التي واجهتها السعودية داخلياً ودولياً، أسهم طيّب في رفع مطالب الإصلاح إلى صنّاع القرار في المملكة. ولعلّ أبرز العناوين التي رفعها مع رفاقه، تطوير نظام الحكم إلى ملكي دستوري، يتيح حياة ديموقراطية سليمة، ويكفل حقوق الإنسان والمواطنة. لكنّه عاد ليدخل السجن عام 2005، لمدة أسبوعين، ثم يمنع من السفر لمدّة خمس سنوات متواصلة. سألناه ذات مرّة: «كم مرة سجنت، وكم مرة منعت من السفر»، فأجاب: «كثير. ما أدري!»


5 تواريخ

1939
الولادة في مكّة المكرّمة
(المملكة العربيّة السعوديّة)

1975
أسهم في تأسيس «تهامة» أوّل شركة متخصّصة في العلاقات العامّة والإعلان في السعوديّة، ليتركها مطلع التسعينيّات

1991
الطبعة الأولى من كتابه «مثقّفون وأمير»، أصدرها في القاهرة تحت اسم مستعار
هو ياسر محمّد سعيد

2005
اعتقل ومنع من السفر لخمس سنوات متواصلة

2010
يوقّع عند الخامسة من مساء اليوم، الطبعة الثانية من «مثقّفون وأمير» التي صدرت باسمه الصريح، في جناح «النادي الثقافي العربي»، «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» (بيال)