تعود مشكلة تلوّث مياه نبع يحفوفا، الذي يغذّي 6 بلدات تقع شرق ــ شمال مدينة زحله، الى أوائل تسعينيات القرن الماضي، وما زالت تتفاقم. ووفقاً لمتابعين بلديين، مياه النبع ملوثة تماماً، مشروع الناصرية متوقف، ومؤسسة مياه البقاع في الغيبوبة. أما فقراء علي النهري، فيغلون النار الملوثة، ويشربونها
علي النهري ــ نقولا أبورجيلي
الوضع لا يطاق في علي النهري. أهالي البلدة الزحلاوية يعانون وضعاً مأسوياً، بعدما تفاقمت أزمة مياه الشرب في البلدة. واليوم، على ذمة رئيس البلدية، أحمد المذبوح، يعاني 40 ألف مواطن من انعدام هذه المياه، جازماً أن الأخيرة ملوّثة «بنسبة 200%». المشكلة مزمنة إذاً، ومياه نبع يحفوفا، التي كان يشربها الأهالي، بات استهلاكها محصوراً بالاستعمال المنزلي، رغم تلوثها. أما المصدر الرئيس للتلوّث، وفقاً للمذبوح، فهو «تسرّب المياه الآسنة إلى هذا النبع من شبكة الصرف الصحي التابعة لبلدة سرغايا السوريّة، التي تقع على تخوم سلسلة الجبال الشرقيّة التي تفصل لبنان عن سوريا».
يعود المذبوح بذاكرته إلى عام 1992. فخلال تلك السنة « شهدت بلدة على النهري والقرى المحيطة كارثة صحيّة بعدما اكتظّت مستشفيات منطقة البقاع بمئات المصابين بمرضَي التيفوئيد والسالمونيلا». كانت الفحوصات المخبريّة قد أثبتت آنذاك، أن مياه النبع تحتوي على مختلف أنواع الجراثيم. يدقق قليلاً في ذاكرته، فلا يخطر في باله أي حضور رسمي يذكر، سوى «إنشاء ما يشبه محطة تكرير، وتحويل مياه الخط الرئيسي إلى هذه المحطة بهدف تخفيف التلوّث». استنسبت الدولة حينها تعقيم المياه بكميات من الكلور. وحتى هذا الحل «البدائي» لم يستمر سوى بضعة أشهر، لتعود الأمور الى ما كانت عليه في السابق. وفي عام 1999 عادت البلدية وأرسلت عينة من هذه المياه الى المختبرات، ليتبيّن مجدداً، « أن نسبة الثلوّث قد ارتفعت عمّا كانت عليه». إلى جانب مشلكة التلوث، الكارثية طبعاً، ينبّه المذبوح إلى وجود عقبات أخرى، تحول اليوم دون تأمين المياه: الأعطال متكررة في الشبكة. القسطل الرئيسي الممتد على طول نحو 20 كيلومتراً من موقع النبع في أعالي بلدة يحفوفا وصولاً الى ثكنة الجيش اللبناني في سهل أبلح مهترئ، وقد مُدّ هذا الخط منذ 80 عاماً، أي « أيام الفرنسيين». كذلك يشكو المذبوح تعديات مستمرة على الشبكة، وخصوصاً في الصيف من «أصحاب البساتين والمقاهي والمتنزهات وأحواض تربية الأسماك الذين يثقبون القساطل لاستجرار المياه بغزارة إلى أراضيهم ومؤسساتهم». المحصلة: لا مياه في علي النهري.
ويوضح قاسم المكحل، أحد أبناء البلدة، أنّ نسبة قليلة من أبناء الطبقة الفقيرة الذين «لا حول لهم ولا قوة، يضطرون إلى شرب هذه المياه (الملوثة)، بعد غليها على النار، علّ ذلك يخفف من نسبة تلوّثها». في المقابل، تخصّص غالبية السكان مبالغ شهرية ثمناً لغالونات مياه الشرب المعدنيّة، التي باتت توزّعها على المنازل بانتظام شركات خاصة، مشيراً الى أن بعض أصحاب المنازل «الميسورين»، حفروا آباراً ارتوازيّة لهذه الغاية، فيما الفقراء يشربون المياه الآسنة. وتنسحب حالة علي النهري على القرى المحيطة، إذ يلفت دعيبس منذر، العضو السابق في بلدية رياق، إلى أن الأخيرة حفرت بئراً ارتوازية في منطقة حشمش، قبل سنوات، جرّت المياه منها إلى أحياء بلدتي رياق وحوش حالا، لكن ذلك لم يطمئن معظم سكان هذه الأحياء، فهم ما زالو يشترون المياه المعدنيّة تجنباً لتكرار تجربة الكارثة الصحيّة التي حدثت قبل نحو 20 عاماً.
أمام هذا الواقع، طالب المذبوح برفع خطر الثلوث، من خلال إقامة حائط يفصل المياه الآسنة عن موقع نبع يحفوفا، وتغيير خط الجرّ الرئيسي، وطبعاً، حماية الشبكة من التعديات. ويتذكر حدثاً مهمّاً: مشروع الهيئة العليا للإغاثة نهاية عام 1999 في سهل بلدة الناصرية المجاورة، الذي كلف مليار ليرة لبنانيّة، وشمل آنذاك، حفر بئر ارتوازية، تجهيز كل معدّاتها وتشغيلها بواسطة محطة للكهرباء، إنشاء خزان للمياه. لكن المشروع توقف نتيجة عطل طرأ على مضخة استخراج المياه عند تشغيلها. المشروع متوقف والناس يشربون المياه الآسنة. ويتذكر المذبوح تفصيلاً آخر: «سرقة جميع معدّات المشروع». وبقّ المذبوح البحصة، فانتقد مؤسسة مياه البقاع: «من خلال التجربة، تبيّن أن هذه المؤسسة أقالت نفسها من مسؤولياتها في إدارة المياه وحلّ مشاكلها على صعيد المنطقة كلها، وما زالت اللامبالاة تتحكم بعقول القيّمين عليها». واستفاض شارحاً: «على الرغم من مرور شهرين على تعهدنا أمام مدير هذه المؤسسة، مارون مسلّم، تقديم جميع التسهيلات المطلوبة لتنظيم عمليّة الجباية وإيصال المياه الى المنازل، لم نلمس أية بوادر لمعالجة المشكلة حتى الآن».