ضحى شمساستوقفتني مليّاً تلك العبارة التي قالها رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال تفقّده فتري في منطقة نهر إبراهيم، أثناء الحريق الذي استمر أياماً، محيلاً جبال المنطقة إلى نوع من مشحرة ضخمة. صحيح أنني كنت مبتهجة لرؤية فخامته يدعم مواطنيه معنوياً بوجوده بينهم خلال تلك الكارثة، إلا أن الدعم المعنوي في وقت يحترق فيه المكان حرفياً، لغياب قدرة الدولة على إطفاء الحرائق، يؤدي الى عكس المفعول المتوخّى منه. هكذا، وبفارق دقائق، كاد أهالي فتري ونهر إبراهيم يجدون أنفسهم محاصرين، وفخامته، بالنار، فيما كان هو يدلي بتصريح رمادي، ينتقد فيه أداء الطبقة السياسية التي هو جزء منها.
إلى ذلك، فسر فخامته لمواطنيه، وقد أصبحت النار خلفه تماماً، سبب عجز الدولة عن إطفاء الحرائق في كل مرة بقوله التالي: «إنّ التجاذبات السياسية تؤخر كل الإنجازات التي يجب أن نقوم بها». مردفاً بعجالة أنّ «الحريق وصل الى بيوت الناس الطيبين الذين لا دخل لهم بالسياسة». وما إن أنهى كلامه حتى هبّت النيران خلفه، متيحةً له ديكوراً نارياً لتصريح مدخّن.
لكن تأمّلوا معي تلك العبارة: الناس الطيبون الذين لا دخل لهم بالسياسة. قسّم فخامته بتلك العبارة الناس إلى شقين: الطيبين الذين لا دخل لهم بالسياسة، والأشرار الذين يتعاطون السياسة. كأنّ السياسة، فن إدارة الشأن العام بما يتعدى التصريحات والاستقبالات والمقابلات، وحتى التجاذبات السياسية، التي كان فخامته ينتقدها، مفهوم غير مفهوم في الذهنية التي تسيطر على عقول الطبقة السياسية التي تحكم البلاد. كأن الناس الطيبين، من طبيعتهم، كطيبين، أن لا يتدخلوا «بالسياسة»، وإلّا لما عادوا طيبين، بل أصبحوا أشراراً، لأنهم يتعاطون السياسة... مثله!
ثم قال فخامته: «لبنان يفقد لونه الأخضر. يجب أن ننكبّ على دراسة خطط حقيقية لا ارتجالية لإطفاء الحرائق»، مضيفاً: «ليس لدينا مساحات شاسعة، لكن أيضاً ليس لدينا لا خطط ولا طرقات». هل ثمة أحد في محيط الرئيس ومستشاريه من الممكن أن ينقل إليه هذه المعلومة الواردة في التحقيق أعلاه: نعم يا فخامة الرئيس، في لبنان خطة استراتيجية لمكافحة الحرائق، هذه الخطة وافق عليها مجلس الوزراء منذ عام 2009، لكنها خامدة في أدراج مجلس الوزراء، تحت رماد الإهمال. كالعادة، لدينا كل شيء، لكن لا أحد يعرف بذلك، لو أراد العمل، أو يعرف بذلك ولا يريد العمل، مثل العديد من المعنيين بهذا الملف. لم لم تفعّل هذه الاستراتيجيا؟ هل هي «أبدى» أم الاستراتيجيا الدفاعية؟ «فلنسكج» قليلاً على المقاومة للتصدي للعدو الإسرائيلي ما دامت موجودة، وقد أثبتت فعاليتها، ولننكب على تفعيل استراتيجيا مواجهة الحرائق واستباقها بما يضمن بقاء شيء في لبنان ليدافع عنه.
النقد الذاتي أمر إيجابي. لكن إذا كان من الممكن على الأقل، انتقاء ظروف القيام بذلك؟ من نوع مراعاة مشاعر الناس الذين كانت النيران تلتهم بيوتهم وأحراجهم ومنازلهم، وهم يستمعون، محرجين بعض الشيء، إلى قمة هرم الدولة ينتقد نفسه، كمسؤول، والطبقة السياسية التي هو رأسها، لعدم قدرتها على إطفاء الحريق، الذي كان يحاصره «لايف» وإياهم. أولئك الذين ناموا وقاموا على مشهد أسود وفي أنوفهم رائحة الصنوبر الذي كان، إن كان ممكناً تعزيتهم ولو بشيء من الأمل الكاذب، وخاصةً أنّ ابن المنطقة في سدة الرئاسة، لا شك أن وضعهم كان سيكون أفضل. أمّا نقد التجاذبات السياسية، مثل تلك التي تمنع انعقاد مجلس الوزراء للحؤول دون مناقشة قضية شهود الزور، فلا شك أنّ ممارسته في جلسة لمجلس الوزراء شخصياً، أجدى.
على فكرة، هل سيحضر إلياس المر، وزير دفاع ويكيليكس، الجلسة؟