الشكوى تحصيل حاصل في العدلية. واحتجاج ذوي المدعى عليه أو الموقوف أمرٌ اعتاده الجميع في أروقة ذلك القصر الرابض في بعبدا، أمّا مصير الملفات وعددها، فهو في علم الغيب إلّا ما رحم ربّي. التذمّر في أروقة القصر سمة بارزة تدمغ جميع من يقصده، لكن إضافةً إلى تأفّف المراجعين والمتخاصمين، تُسجَّل شكوى أهل البيت من قضاة وموظفين لا تكلّ ألسنتهم عن الحديث عن العبء الملقى على كواهلهم دونما اكتراث من المعنيين، إذ يتحدثون عن عدد ملفات هائل لا يتناسب وقدرة احتمال القضاة أو عددهم، فضلاً عن انعدام المكننة وغيرها من الأمور التي لا تتسع عشرات الصفحات لذكرها. المصيبة تجمع في العادة، لكنّ مصيبة الموظفين والقضاة استحالت مأساة لدى المتخاصمين وتحديداً الموقوفين. هؤلاء الذين صودر منهم أغلى ما يملكون، وهو الحريّة، وُضعوا قيد التوقيف الاحتياطي المنسي، بغض النظر عن البراءة من عدمها، بانتظار أن يُعطي القاضي الإذن.
انطلاقاً مما سبق واستناداً إليه، سيسلّط التحقيق الضوء على مسألة اكتظاظ الملفات لدى الهيئة الاتهامية في عدلية بعبدا، عارضاً معاناة أحد الموقوفين منها. فقد أصبح في بعبدا منذ نحو ثلاث سنوات هيئتان اتهاميتان نتيجة ضغط الملفات المتراكمة على القضاة. يرأس الهيئتين الاتهاميتين في بعبدا كلّ من القاضيين إلياس عيد وعفيف الحكيم. أما وظيفة هذه الهيئة، فحددها قانون أصول المحاكمات الجزائية في المادة 130 منه، التي تنص على أنه بعد اطّلاع الهيئة الاتهامية على ملف الدعوى تُصدر أحد قرارات ثلاثة: فإما منع المحاكمة عن المدعى عليه وإطلاق سراحه إذا تبيّن أن الأدلة غير كافية لاتهامه بالجناية، وإما إحالته على القاضي المنفرد الجزائي إذا عُدّ الفعل جنحة، وصولاً إلى إحالة المتهم على محكمة الجنايات لمحاكمته.
بالعودة إلى مسألة كسر الملفات، فقد ذكر مسؤول قضائي رفيع لـ«الأخبار» أنّ القاضي إلياس عيد عندما تسلّم رئاسة الهيئة الاتهامية كان ثمّة 3000 ملف كسر لديه. وأشار المسؤول المذكور إلى أنه معروفٌ عن القاضي الحكيم سرعته في بت ملفات الدعوى، فيما يُعرف عن القاضي عيد دقّته. ورغم الكسر الموجود لدى القاضي إلياس عيد، يؤكّد المسؤول المذكور ضرورة عدم لوم القاضي بسبب الضغط الموجود.
من جهة أخرى، واستعراضاً للنماذج، نطرح قضية الموقوف بلال غ. فقد جاء في قرار صادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان محمد بدران بتاريخ 09/09/2009، الذي أُحيل على النيابة العامة التي أودعته الهيئة الاتهامية في عدلية بعبدا منذ ذلك الحين، أي منذ نحو سنة وأربعة أشهر، فنسرد الوقائع الآتية:
أُوقف صالح ع. ولدى إخضاعه لفحص مخبري اتّضح وجود آثار للحبوب المهدّئة في عيّنة من بوله، حُوّل الموقوف على مكتب مكافحة المخدرات للتحقيق معه، فأدلى باعترافات متناقضة. فحيناً زعم أنه حصل على الحبوب المهدئة من صيدلية السجن لعلاج العوارض التي أصيب بها نتيجة انقطاعه عن تعاطي المخدرات، وحيناً آخر ذكر أنه حصل على الحبوب المهدئة خلال فترة توقيفه في سجن رومية، من أشخاص يقضون فترات محكوميّاتهم داخل السجن المركزي، ومن بينهم السجين بلال غ. وذلك لقاء سجائر أو بالمجّان أحياناً. الروايتان المذكورتان تراجع عنهما صالح، بعدما أوضح أنه لم يحصل على الحبوب المهدّئة من السجين بلال غ. لكنه سمع أنه يروّجها. بدورهم أنكر أصحاب الأسماء المذكورة صحة ما نُسب إليهم لجهة تعاطي الحبوب المهدئة أو الاتجار بها، علماً أنّ الموقوف صالح ع. تعرّف إلى صورهم باعتبار أنهم جميعاً يقضون مدة محكوميّاتهم في سجن رومية.
مرّت سنة وأربعة أشهر على صدور القرار الظنّي، ولا يزال ملف الدعوى لدى الهيئة الاتهامية التي يرأسها القاضي إلياس عيد دون أن تصدر عنها مضبطة اتهام تُحدّد إن كان سيحاكَم أو ستُمنع عنه المحاكمة ويُطلَق سراحه. الإجابة عن التساؤلات في هذا الملف وسواه من الملفات العالقة برسم الهيئة والمعنيين.


إلى أجلٍ «غير» مسمّى؟

ذكر مسؤول قضائي رفيع لـ«الأخبار» أن قضاة الهيئة الاتهامية يبدّون ملفات الموقوفين على غيرها من الملفّات باعتبار أنها ذات صفة عاجلة. وأشار المسؤول القضائي المذكور إلى أن هناك نحو 300 أو 350 ملف دعوى متأخّرة لدى القاضي الياس عيد ستصدر مضابط اتّهامها مباشرة بعد رأس السنة. ولفت المسؤول القضائي إلى أنه يُفترض أن ينتهي بتّ جميع الملفات المتأخرة بعد سنة منذ الآن، علماً بأن القاضي عيد تسلّم رئاسة الهيئة الاتهامية وفيها كسر 3000 ملف. ويشار إلى أن عدد الملفات المحالة إلى الهيئة الاتهامية يتراوح بين 200 و300 ملف شهرياً. يذكر أن القاضي الياس عيد كان المحقق العدلي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعدما تبيّن أنه يتجه الى إخلاء سبيل الضباط الأربعة، طالب عدد من أهالي الضحايا الذين سقطوا مع الرئيس الحريري بتنحيته عبر وكيلهم المحامي محمّد مطر الذي تقدم بطلب إلى محكمة الاستئناف في بيروت بطلب تنحية المحقق العدلي عيد لـ«الارتياب المشروع في حياديته».