أحرق مجهولون سيّارة المفتش المتقاعد في الأمن العام أحمد البخاري قبل أيام، بناءً على تهديد مسبق. أتت النيران على السيارة بعدما كان قد سبق ذلك اتّصالٌ من مجهول يقول: «مش قاريين الدولة، انتبه على حالك واتّصل بالمعلّم». هذا لم يكن المشهد الأخير من وقائع جريمة اختلطت فيها تجارة المخدرات وترويجها بالدعارة، فأحمد يتنقّل اليوم بحذر خوفاً على حياته التي باتت مهددة. يحكي المفتش المتقاعد عن تاجر مخدرات، «مغطى» من ضبّاط في قوى الأمن، يحاول قتله عبر بعض رجاله. أما السبب فيردّه إلى «كشف عمليات ترويج مخدرات وتسهيل دعارة في المنتجع الذي يملكه و. م. جنوبي بيروت». يروي أحمد لـ«الأخبار» تفاصيل القصّة التي مرّت بالقوى الأمنية ووصلت إلى القضاء دون أن يُلقى القبض على المدعى عليه و. م. والمشتركين معه، ويعزو السبب إلى الغطاء الذي يوفّره له متنفّذون وضباط يعمد الأخير إلى رشوتهم غالباً. بدأت الحكاية بعد تقاعد المفتش في الأمن العام أحمد البخاري من خدمته بتاريخ 6/3/2010. يومها عرض عليه و. م.، وهو زميل سابق له في الأمن العام، العمل لديه مديراً للموظفين في المسبح الذي يملكه. وافق أحمد على العرض، ليبدأ عملاً لم يدم أكثر من شهر ونصف. يذكر أحمد أنه لاحظ خلال فترة عمله «تصرّفات مشبوهة من س. ه. (جنسية قيد الدرس) التي تعمل أمينة للصندوق في المسبح المذكور، فقد اكتشف المفتش المتقاعد أن س. ه. تبيع مظاريف تحتوي على مادة بيضاء لأشخاص يحضرون إلى المسبح، مقابل مبالغ مالية تحصل عليها. كذلك اكتشف بأنها تحضر فتيات هوى لتلبية حاجات الزبائن. هال أحمد ما رأى، فقرر إخبار مالك المسبح و. م. لكنه فوجئ بأن الأخير يعلم بما يجري، فأدرك أنه ضمن شبكة للدعارة وترويج المخدرات، فطلب من مالك المسبح إبعاده عن الأمور غير القانونية، لكن الأخير أخبره بأن الأمور تحت السيطرة لجهة ضمان جانب ضبّاط المنطقة وعناصرها، وطلب و. م. من أحمد أن يستمر بالعمل معه. أدرك المفتش المتقاعد أن ربّ عمله يريد استغلال سمعته الجيّدة لتغطية الأعمال المشبوهة. فرفض عرض العمل، قائلاً إنه لا يتشرّف بالعمل معه، وأخبره بأنه سيبلغ القوى الأمنية. عندها هدّده و. م. بتصفيته جسدياً، وشتمته س. هـ. متوعّدة: ثمنك رصاصة». ترك المفتش المتقاعد المسبح ليتّصل بمحاميه هاني مراد لإعداد شكوى تهديد بالقتل. ادّعى عليهما بجرم تهديد بالقتل وتصفية جسدية والاتجار بالمخدرات وتسهيل الدعارة. في الجهة المقابلة، كان يحاك تحرّك موازٍ، فقد رأى المدّعى عليهما و. م. وس. هـ. أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم فعمدا الى الادعاء على غريمهما بشكاوى مضادة. اتّهماه بالسرقة والتحرّش بأمينة الصندوق س. هـ. لكن تلك الدعاوى لم يُثبت من صدقيتها شيء، فحُفظت.
بدأت التحقيقات، ومعها راح أحمد يبحث في السجلات العقارية ليتبيّن له أن هناك مخالفة بناء صادرة عن التنظيم المدني مسجلة في السجلات منذ عام 2006 ولا تزال، دون أن يصار إلى قمعها من المعنيين، وتتعلّق بالترخيص الممنوح للمسبح. من جهة أخرى، وفي إطار التحقيقات أيضاً، أمر المدعي العام في جبل لبنان بإحالة الملف على مكتب مكافحة المخدرات للتحقيق مع المدعى عليهما س. هـ. وو. م. بالشكوى المقامة ضدهما، طالباً أخذ إفادة أحمد بصفته شاهداً في القضية. استُدعي المذكوران، لكن أحمد فوجئ بما حصل معه في مكتب المخدرات، فقد ذكر لـ«الأخبار» أنه تعرّض للضغوط من قبل المحقق ب. ي. الذي طلب منه الرجوع عن إفادته. ووفق رواية أحمد، لم يكتف المحقق بذلك، بل عمد مع بعض العناصر إلى ترهيبه بعد إغلاق الأبواب وتلقيم السلاح، لافتاً إلى أن أحد العناصر لكمه أيضاً. وفي السياق نفسه، يُشير وكيل المذكور إلى أن التحقيق لم يجرِ وفق الأصول الإجرائية، فقد تبيّن أن هناك في مكتب حماية الآداب ملف دعارة بحق س. هـ. وملف اشتباه بتسهيل دعارة بحق و. م. بالإضافة إلى إخبار عن ترويج مخدرات وتعاطيها بحقّ و. م. فضلاً عن أن شقيق زوجة و. م. كان موقوفاً بجرم مخدرات في المكتب نفسه، ورغم ذلك لم يؤخذ بها لجهة تأكيد الشبهة عليهما، وبالتالي مداهمة المسبح أو توقيف المذكورين.
سُجّلت مفارقة، فعندما استحصل أحمد على المحضر أحرق مجهولون سيّارته في اليوم التالي. وبدأت تتوالى عليه اتّصالات التهديد من أماكن مختلفة من لبنان. هدّدوه بحرق منزله ومنزل عمّه، كما أنذروه بأنهم سيؤذون طفليه محمد ولين إن لم يسوّ المسألة مع و. م. بعدما أعطوه اسم المدرسة الموجودين فيها، في إشارة منهم إلى أنهم يعرفون كل شيء عنه.
وفي خطٍ موازٍ، كان المفتش المتقاعد أحمد البخاري قد تقدم بإخبار لدى وزارة الداخلية والبلديات يتعلق بأعمال مخالفة في المسبح (مخالفة بناء ورشى وأعمال وممارسات مشبوهة). كما ذكر في إخباره الذي يحمل الرقم 11395 أن المسبح المذكور بات ناشطاً في مجال تسهيل الدعارة. بعد مرور أربعة أشهر، وبتاريخ 27/10/2010 تبلّغ أحمد جواب وزارة الداخلية عن الإخبار الذي نفى مضمون الشكوى بعكس الوثائق الرسمية الموجودة في الدوائر العقارية والتنظيم المدني، والتي تُثبت عدم وجود رخصة قانونية للمسبح. عندها، طلب أحمد نسخة عن محضر الكشف ليعرف هوية الشخص الذي كُلّف بالمهمّة، ظنّاً منه أن تلاعباً قد حصل لكنه لم يُمنح ذلك. فأقام دعوى قضائية، استحصل بموجبها على أمر قضائي يمنحه المحضر باعتبار أنه يكشف من يقوم بالتغطية، لناحية فضح هوية الشخص الذي تلاعب وتغاضى عن المخالفات، رغم إثبات الأوراق الرسمية لصدقيّة شكواه. وضع أحمد يده على وثيقة الإحالة الصادرة من وزارة الداخلية، لكنه لم ينل ما أراد، فقد اكتشف أن محضر المخفر الذي قام بالكشف قد سُحب من الملف، وأُبقي تقرير وزارة الصحّة، رغم أن وزير الداخلية زياد بارود كان قد أمر بتسليم نسخة عن هذا الكتاب للمستدعي. عند هذه النقطة سُجّلت مفارقة، فعندما استحصل أحمد على المحضر أحرق مجهولون سيّارته في اليوم التالي. وبدأت تتوالى عليه اتّصالات التهديد من أماكن مختلفة من لبنان. هدّدوه بحرق منزله ومنزل عمّه، كما أنذروه بأنهم سيوجهون الأذية لطفليه محمد ولين إن لم يسوِّ المسألة مع و. م. وذلك بعدما أعطوه اسم المدرسة الموجودين فيها، في إشارة منهم إلى أنهم يعرفون كل شيء عنه. القضية لم تُحسم بعد. القوى الأمنية تقوم بالتحقيق للوقوف على ملابسات ما يجري، فيما يتلطى أحمد من مكان إلى آخر حفاظاً على حياته، التي يرى أنها مهددة. في المقابل، لا يزال المشتبه فيهم أحراراً.


تواطؤ أمني محتمل والوزير يتدخّل


التهديدات بالقتل لا تزال تُلاحق المفتش المتقاعد أحمد البخاري. فبعدما أحرق مجهولون سيارته وتوعّدوه بإحراق منزله وإيذاء طفليه إن لم يتراجع عن ادّعاءاته بحقّ مشغّلهم، ترك أحمد منزله وامتنع عن إرسال طفليه إلى المدرسة خوفاً على حياتهما. انتظر المفتّش المتقاعد القوى الأمنية لتتحرّك، لكنّ شيئاً لم يتغيّر، فقد استمرّت التهديدات. لجأ أحمد إلى «الأخبار» كي يتمكّن من إيصال صوته إلى المعنيين عبر الإعلام، بعدما شعر بأن هناك تواطؤاً من رجال أمن مرتشين. فتطوّرت القضية ليتدخّل وزير الداخلية والبلديات زياد بارود للإسهام في إيجاد الحل ومعالجة القضية عبر توقيف المتورّطين إن وُجدوا، قبل أن يصار إلى إحالتهم على المفتشية العامة في قوى الأمن الداخلي لاتخاذ التدابير اللازمة بحقّهم. بدأت التحقيقات من جديد، فرجع المحقّقون إلى أرقام الهاتف التي جرى عبرها التهديد. الرقم الأخير المتّصل منه قاد إلى خيطٍ قد يوصل إلى المشتبه فيهم. فرغم أنه جرى من هاتف عمومي في بلدة بقاعية عبر بطاقة «كلام»، إلا أنه صودف وجود كاميرا صوّرت المتّصل. التحقيق مستمر في انتظار التطوّرات.