بعد 7 أيار تفاقمت المشاكل السياسية التي تسللت إلى منازل الأسر اللبنانية التي طالما اتبعت الديموقراطية التوافقية بين والديْن مختلفين سياسياً
ملاك عواد
شخصان متواجهان، صراخ يملأ المكان، اتهامات متبادلة بالعمالة، أغراض تتطاير يميناً وشمالاً. للحظات تظن أنّها مقابلة سياسية على إحدى الشاشات اللبنانية. لكنك لا تلبث أن تكتشف أنهما والدان، أو أخوان أو أب وابنه في خضم الشجار...
هذا ما يحصل عندما تدخل السياسة إلى البيوت وتفرّق بين أعضاء العائلة الواحدة. وهذا ما تعانيه بعض العائلات اللبنانية منذ الانقسام السياسي الكبير بعد 2005، الذي ازداد عمقاً بعد أحداث 7 أيار التي عزّزت الحواجز الموجودة بين أفراد تلك العائلات.
أحد الأبوين معارضة والآخر موالاة، هما على وفاق تام إلى أن يحين موعد النشرة المسائية. بعد المناوشات، يتفقان على مشاهدة نصف ساعة من نشرة إحدى محطات المعارضة، ونصف ساعة أخرى من نشرة الموالاة. «هيك الحالة في بيتنا»، يقول رامي ابن العائلة «المجنونة» على حد قوله. يتحدث رامي عن الحالة في السنوات الأربع المنصرمة، فوالداه وصلا إلى حافة الطلاق لولا تدخل الأولاد. «نحن طبقنا نظاماً في البيت وصار الوضع أحسن». فالبرامج الحوارية، الصحف والتصريحات السياسية تندرج في فئة «الممنوع من المشاهدة».
من جهته، ضاق شادي ذرعاً وهو وحيد والديه المتضادين سياسياً، من الجو المشحون في البلد وفي البيت. فقرر السفر إلى فرنسا «أهلي وعدوني ما بقى يتخانقوا بس ما بصدق». ويضيف ممازحاً «الحل الوحيد خطوط تماس في المنزل بين الوالدين!!».
رانيا تضحك عندما تتذكر والديها. أمها «أرسلانية» وأبوها «جنبلاطي». كانا على خلاف دائم لكن المصالحة بين جنبلاط وأرسلان ترجمت في البيت بين الوالدين. وتضيف: «إن شاء الله تدوم الصلحة بين المير والبيك لنظل مبسوطين». كلّ هؤلاء الأبناء أجمعوا على حيادهم السياسي، بل على كره السياسة التي خربت السلم المنزلي.
هناك زينة أيضاً. والدها موالٍ لتيار المستقبل ووالدتها مؤيدة لحزب الله، لكنّهما متفقان. «ماما بطنش لبابا والعكس صحيح». والداها اللذان تزوجا عن حب لا يقف شيء بينهما، فقد تجاوزا في البدء الاختلاف المذهبي. زينة تعترف بأنّها تميل لسياسة والدها لكنها «مستقبلية معتدلة» كما تطلق على نفسها. «أنا مع المقاومة ضد إسرائيل لو شو ما صار». حالة ريم مماثلة إلا أنّها ترى أنّ الاختلاف بين والديها إيجابي، فقد جعلها تتعرف على أخطاء الطرفين. وتضيف أنّ النقاشات السياسية بينهما علمتها تقنيات الحوار الأمثل. في بيت جمال، الاختلافات السياسية لا مكان لها في الجلسات العائلية. لكن انضمامه إلى الحزب الذي يواليه والده أشعل فتيل المشاكل بينه وبين والدته.
إلا أن جبهة صراع أخرى، بين الأهل والأبناء هذه المرة، قد تشتعل في بيت يسوده انسجام الوالدين السياسي. على غرار فرح التي لا تتبع سياسة والديها وتخشى الإفصاح عن ذلك خوفاً من قطع المصروف! أما زياد المعارض لأهله الموالين، فقد طرده والده من المنزل.
أما في منزل أحمد، فقد كانت الشجارات السياسية بينه وبين أخيه يومية، إلى أن وصلا إلى حد القطيعة. هكذا، تكاد السياسة أن تحوّل الدم ماءً، فكيف بمواطنين تجمعهم فقط الجنسية اللبنانية؟