يومان على 7 حزيران. بعض الشباب سيصوّتون لمن يدافع عن قضايا يؤمنون بها، ويعدهم بإرساء التغيير المرتجى. أما البعض الآخر، فقد ابتلعهم «غول» البازار الموسمي، وبلغ بهم إحباطهم من الواقع السياسي في البلد، أو «الضرورة»، حدّ التنازل عن مواطنيتهم، وبيع مواقفهم «بالرخيص»...
ملاك عواد
«إعلان إلى جميع المرشحين: موسم ربيع ـــــ صيف 2009 للانتخابات أوشك على نهايته، على المشترين الكرام الانتباه إلى أن الكمية محدودة، ومدة صلاحية السلع تنتهي في 7 حزيران». لم يعد ينقص سوى أن ينشر هذا الإعلان في إحدى الصحف، في بلد أصبح بيع الصوت الانتخابي فيه «روتيناً» يجاهَر به. البعض يمارسونه من دون أدنى تأنيب للضمير، فيما يعلن آخرون عدم معارضتهم له، تهكّماً، مدفوعين بـ«قرفهم» من الطغمة السياسية الحاكمة. ألين إحدى هؤلاء، ليس هدفها الحصول على مبلغ مالي، بقدر ما هو رغبة في استغلال «السيّئين الذين لم يقدّموا إلّا المصائب إلى لبنان»، تريد بيع صوتها «نكاية» بهم.
إلا أن مشكلة ألين تكمن في أنها لم تجد «شارياً» لصوتها حتى الآن، فـ«عكار، حيث أنتخب مضمونة لتيار المستقبل»، تقول. إلّا أنها سرعان ما تجد الحل: «أنقل نفوسي إلى المتن». يبدو حلها منطقياً حالما تبرّره، فقد «راجت شائعات أن مرشحي المتن يعطون نحو 500$ على الرأس».
فمعركة المتن حوّلت جاد، كما معظم المقترعين في الدائرة، إلى هدف «استراتيجي» للتقديمات المالية القيّمة الآتية من كل حدب وصوب: قسائم شراء. مجوهرات. بطاقات شحن هاتفية. مواد غذائية.
على الرغم من ذلك، لم يقرّر جاد إلى من سيمنح صوته «القيّم» على حد وصفه. يدرس العروض الآن، متمتعاً بهذه اللحظات قبل أن يأتي اتفاق «رباعي» ويضرب مصالحه، كما أصابه في 2005.
علاء، صديقه، لم يطلب الكثير: «مجرد لوحة لهالسيارة، تكون 3 أرقام». يبدو طلبه غريباً، فهو لا ينكر أن وضعه المادي جيد «بس النمرة بدا واسطة».
في المتن، في ساحله الجنوبي، لا يبدو حسن مندفعاً نحو «التشبيح» مثل علاء. مشكلته مادية بحتة: «انقطاع الكهرباء الدائم، وقلة المياه وندرة فرص العمل هي أسباب كافية للتخلي عن صوتي. ففي كل الأحوال هو غير فاعل». أما جويس، الزحلاوية، فقد أتمت «صفقتها» مع أحد الأطراف السياسية. كان الثمن مرتفعاً، والعرض مغرياً، بينما هي طالبة جامعية تحتاج إلى منحة لإكمال دراساتها العليا في فرنسا. تعترف بشعورها بالذنب. فبعد يومين، ستصوّت ضد مبادئها، لكنها سرعان ما تبرر: «للضرورة أحكام». وفيما تنتخب جويس لتتمكّن من السفر، عاد بعض الشباب من السفر فقط لينتخبوا، لا بدافع ممارسة مواطنيتهم: «بصوّت للشيطان إذا بيخلّيني زور أهلي»، يقول بول منفعلاً، معلناً أن جهة سياسية نافذة وفّرت له بطاقة السفر.
وفي الأساس، بول فقد الأمل في إصلاح البلد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لذلك، لم يعد يعير الانتخابات أي أهمية: «لا أحد من المرشحين يمثّلني».
بالنسبة إلى علي، الأمر مناقض في المضمون، ومشابه في الشكل. فقد جاء من الولايات المتحدة على نفقة حزبه، لينضم إلى الماكينة الانتخابية. بيد أنه يوضح أن التكاليف ليست حافزاً، «فحتى لو لم تدفع تكاليف السفر كان سيصوّت للحزب نفسه، لأن ولائي الحزبي ليس مرتبطاً بالماديات بل بالمبادئ».
المبادئ؟ نذكر هنا الشعارات التي تملأ الطرقات. «التغيير والإصلاح»، «المقاومة والتنمية»، «كرامة البقاع وراشيا»، «الإنقاذ المتني»، «لبنان أولاً»، إلخ ... شعارات رغم جاذبيتها وغنى مضامينها، لم تتمكن من «تغيير» رأي الشباب باعة أصواتهم، ولا «مقاومة» يأسهم. فبالنسبة إلى هؤلاء، فات الأوان «لإنقاذ» البلد، وأصبحت المعادلة لديهم: «أصواتنا، عفواً جيوبنا، أولاً».


«قباض منو انتخب ضدو»

تريد فاطمة أن تمارس حقها في التصويت، وترفض بيع صوتها رغم العروض الكثيرة التي قُدمت إليها. لكنها ترى أنه في الحياة، هناك دائماً نماذج لـ«ما هو سيّئ وما هو أسوأ». لذا، ونظراً إلى أنها تريد أن تخرج رابحة من اللعبة «الوسخة»، لا بل تطمح إلى تلقين «فاعلي الخير المؤقتين» درساً، فقد اتخذت قراراً لا رجوع عنه «أتقاضى الرشوة لكنني، في يوم الاقتراع، أصوّت لمن أريد ولا أحد يعرف بذلك». فاطمة ليست من قابضي الأموال بسبب الحاجة المادية، وهي ستقيم، بالمال الذي قبضته، حفلاً كبيراً يكون عنوانه «ضد المال الانتخابي». احتمال آخر طرأ على رأسها: كتابة أسماء المفقودين على ورقة الاقتراع، كإدانة للتمادي المعيب في نسيان قضية المخطوفين.