مايا ياغيفي عربصاليم، يقضي الشباب معظم أوقاتهم على جوانب الطرقات. المشاكل، في ما بينهم ومع أبناء القرى المجاورة، تكاد تكون قوتهم اليومي. «مشكلجيّة»، يقولون عنهم. أو حتى، تلطيفاً، «دمّهن حامي». أما أسباب تلك المشاكل، فهي تافهة في معظم الأحيان، قد تكون فتاة، أو سيارة. في تلك البلدة الجنوبية، تكفي مزحة ثقيلة، مهما كانت صغيرة، لإشعال «مشكل» يستدعي حضور قوى الأمن. ورغم الأضرار المادية التي قد تنتج من هذه المشاكل، إلا أن معظم الشباب يجدونها باباً للتسلية.
وينتسب إلى قائمة شباب الساحة في عربصاليم كل من أتمّ الرابعة عشرة من عمره و«تخرّج» من الصف الخامس أو السادس أساسي ليس أكثر. معظمهم يكونون قد تركوا المدرسة ليعملوا في قطاع المهن الحرة. جلساتهم تبدأ عصراً وتستمر حتى ساعات الصباح الأولى، ترافقهم النارجيلة، من محال «الدليفري» الكثيرة في البلدة. قلّما يغادرون الساحة للسهر في بلدات أخرى، لأنه «ولا مرة سهرنا برّات الضيعة وما صار في مشكل كبير، من كفرملكى، حتى حبوش ودير الزهراني. ولمّن بيصير مشكل بين حدا منّا وشباب من برّا، منصير كلنا إيد وحدة مهما كانت المشاكل بيناتنا». وفيما تسود في عربصاليم قاعدة «أنا وابن عمّي عالغريب»، تحكم علاقات شبابها بعضهم ببعض صيغة الإخوة الأعداء. «آخر مرة كسّرنا محل أراكيل القبطان، لإنو المشكل صار عندو داخل المحل»، يقول حطاب. حين تكون المشاكل مخرجاً تواطؤياً ضمنياً من حالة الملل

إخوة أعداء في الداخل ويد واحدة في مواجهة الغريب

والفراغ، «بيشتريها الشاب شراية» كما يقول المثل، يتحمّسون لها سريعاً، ثم تهدأ نفوسهم سريعاً، ليتشاركوا في إصلاح ما تضرّر من فوراتهم. على الأقل، هكذا تتم الأمور في عربصاليم. هناك، غالبية سيارات الشباب من نوع «بي أم»، لأنها تلبّي هوايتهم في التشفيط. محمد حطاب، أحدهم، مشهور تحديداً بالـ«تخميس» بسيارته، ولو أنه «ما بلحّق تغيير دواليب، بس هيدي هواية عندي». زميله في الساحة، حسن عبود، لا يهتم بمصروفه اليومي العالي من البنزين، يعمل في محل ميكانيك سيارات، وينفق معظم ما يجنيه يومياً خلال سهرته قرب الجامع. محمد فرحات يملك دراجة نارية، تساعده على الدوران والتشفيط أكثر مما تفعل السيارة. ينظّم يومياً مع أصحابه دوامات «دوريات المراقبة» التي تجوب شوارع البلدة، حرصاً على عدم اختراق أي شاب غريب لـ«أمنهم المركزي» في القرية، وخصوصاً في ما يتعلق بالفتيات، فهؤلاء «ممنوع يحكوا مع حدا من برّات الضيعة وقت كزدورة العصر»، كما يقول أحد أصحاب الوصاية...
شباب عربصاليم ليس لهم أسماء. لكل واحد فيهم كنية ينادى بها. من «ضبع» الى «دكر»، أو «صعب». أما من نجا منهم من اللقب، فيلقَّب بـ«زمط». هكذا يعيش شباب عربصاليم أيامهم، فلا يستثمرون طاقاتهم في رياضة تنفعهم ولا في عمل تطوعي ينفع بلدتهم. وفيما يغرقون في الفراغ، تغيب عنهم الرعاية لتجعلهم عرضة للكثير من الآفات التي بدأت تنتشر في قرى الجنوب.