strong>أسامة العيسةلا تكل الدكتورة إيلات مزار، أكثر علماء الآثار الإسرائيليين تمثيلاً لعلم الآثار التوراتي، عن إثارة الجدال، في حفرياتها التي لا تنتهي في القدس، والتي تؤكد فيها أن كل قطعة تعود إما إلى الملك داود أو إلى سليمان. وهو ما فعلته في الحفريات التي تجريها باسم الجامعة العبرية في موقع دار الإمارة الأموية، جنوب الحرم القدسي، التي بدأ الحفريات فيها جدُّها بنيامين مزار، بعد الاحتلال في حزيران 1967، بحثاً عن الهيكل المفترض، ولكنه عثر على آثار يونانية ورومانية وبيزنطية وإسلامية.
في شباط الماضي، وقفت مزار في موقع الحفريات غير الشرعية، وتحدّثت إلى وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة عن اكتشافها الجدار ومسارات القصر الملكي لسليمان، مؤكدة أن الملك سليمان هو أول من بنى في منطقة جبل الهيكل، وهي التسمية الإسرائيلية للحرم القدسي، واستعانت مزار بفقرات من سفر الملوك لتدعم نظريتها، متناسية عدد المرات السابقة التي «اكتشفت» فيها القصر العتيد. هذا الأسبوع فاجأت مزار وسائل الإعلام باكتشاف بدا أنه يناقض كل ما فعلته على درب جدها، في القدس، حين أعلنت اكتشاف رقم من الصلصال عليه كتابات مسمارية، ما يؤكد أن القدس كانت مدينة مهمّة في فترة تسبق كثيراً ما يمكن أن يكون عصر الملك سليمان أو داود وغيرهما من شخصيات لم يؤكد علم الآثار وجودها كشخصيات تاريخية.
فالرقم يعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ويعتقد أنه أقدم وثيقة كتابية يعثر عليها في القدس، وأبعاده 2سم في 2.8سم في 1سم. العثور على هذا الرقم والكتابات يؤكد أن القدس عرفت كمدينة رئيسة في العصر البرونزي، قبل وقت طويل من الغزو المفترض لها من جانب الملك داود.
وقالت مزار إنها عثرت على الرقم قبل شهر ونصف خلال عملية غربلة للتراب في الموقع، لكن لم يُعلن الكشف لإتاحة المجال للخبراء كي يقولوا كلمتهم. وترجم عالم الآشوريات، واين هورويتز، الكتابة الآكادية التي تحمل رموزاً مسمارية قديمة، بكلمات مثل: «أنت»، «كنت»، «هم»، «للقيام»، و«في وقت لاحق».
ورجح هورويتز أن يكون الرقم جزءاً من رسالة موجّهة من ملك القدس إلى الفرعون في مصر، إذ كانت القدس واحدة من المدن المركزية في المنطقة.
وبالنسبة إلى علماء الآثار، فإن كون القدس مدينة مركزية في العصر البرونزي أمر غير جديد، إذ ظهرت في ألواح تل العمارنة، التي عثر عليها في مصر وتتضمّن مراسلات فراعنة مصر، وخصوصاً أخناتون، مع الملوك في أرض كنعان، الذين كانوا يدينون بالولاء إلى الإدارة المصرية. وظهر في هذه الألواح اسم عبدي هبة كملك القدس الكنعانية في تلك الفترة.
وأعربت مزار عن أملها في العثور على رقوم أخرى، على اعتبار أنه من غير المعقول أن يكون هذا الرقم فحسب في الموقع. ومن المرجح أن تستفيد مزار من هذا الكشف لضمان تدفّق أموال المتبرعين للاستمرار في حفرياتها السياسية والأيديولوجيّة في أرض محتلة.
المنطقة التي تحفر فيها مزار الآن، إضافة إلى سلوان، يطلق عليها الإسرائيليون تسمية جبل أوفيل، وهي أكثر الحفريات الأثرية إثارة للجدال في العالم. فإضافة إلى كونها تجري في أرض محتلة، فإنها تنجز بهدف أيديولوجي بحت. فعمل الآثار سُيِّس إلى آخر الدرجات في هذه الحفرية. ففي هذه التنقيبات تجري عملية تهويد المدينة المقدسة المبرمجة منذ عقود. ولكن لم تلبِّ اللقى الأثرية طلب الإسرائيليين، فبعد أكثر من 30 سنة من الحفريات فشلوا في العثور على الهيكل المفترض وعثروا على كل ما يخالف هذا المبدأ، ومن بينه الرقم الجديد. ولكن يستبعد أن يغير هذا الاكتشاف من أفكار مزار ويجعلها تبدو أكثر معقولية في التعامل مع تراب القدس، بدلاً من محاولة صنع تاريخ منه على مقاس كتاب مقدس قد يكون المكان الأنسب له دور العبادة.