أسامة العيسةوعلى عكس لوحة إلهة الحظ، فإن تمثال المينادة (واحدة من النساء المخلصات والتابعات لباخوس) التي تشارك في مهرجانات باخوس، تعطي فكرة إضافية عن حياة سكان سوسيتا، الذين كانوا يشاركون على الأرجح في طقوس الرقص المحموم في هذه المهرجانات، التي كانت تُنظم احتفاءً بالخصوبة والنشاط الجنسي. ورغم أن مثل هذه الطقوس انتشرت في العصرين اليوناني والروماني، فإنه ليس لدى الباحثين أدنى شك في استمرارها حتى بعد انتصار المسيحية على عبادة الأوثان.
وأعاد البروفسور آرثر سيجال والدكتور مايكل أيزنبرغ، اللذان أشرفا على الحفريات، المكتشفات إلى العصر البيزنطي، إذ أدى الاعتراف بالديانة المسيحية، إلى إبطال العبادات الوثنية (كما يسود اعتقاد غير موثوق على الأرجح)، وأثار استغرابهما استمرار وجود اثنين من الآلهة الوثنية في سوسيتا، خلال هذه الفترة. وقد لا يمثّل الأمر مفاجأة، ففي كثير من المواقع التي شهدت نهضة في الفترة البيزنطية، ثمة دلائل على تمتع الآلهة الوثنية باحترام كبير، وأبرز الأمثلة على ذلك الأرضيات الفسيفسائية الرائعة التي تزين كنائس مدينة مادبا الأردنية، ومعظمها يمثل ميثولوجيا وآلهة يونانية ورومانية، أي ظهور المسيحية.
وكشفت الحفريات في سوسيتا، عن بازيليك المدينة في العصر الروماني، وهي عبارة عن مبنى كبير الحجم يعود للقرنين الأول والثاني الميلاديين، وكان مركزاً لمعاملات المدينة التجارية والاجتماعية والقضائية وغير ذلك. وإلى جانب العناصر المعمارية من الرخام الممتاز، التي عثر عليها في الموقع، عُثر أيضاً على تشكيلات للزينة مصنوعة من الجص.
هذا الموسم من الحفريات والحفريات السابقة تؤكد أهمية سوسيتا، منذ العهد الهليني فالروماني، والبيزنطي والأموي الذي استمر سكانها خلاله في اعتناق المسيحية، حتى تعرضت للتدمير بسبب زلزال عنيف، ضرب المنطقة في سنة 749م.
وشهدت سوسيتا، التي استخدم سكانها ميناءً على شواطئ بجيرة طبريا (بحر الجليل) ازدهاراً، وخصوصاً عندما أصبحت واحدة من اتحاد مدن الديكابولوس العشر، ذات الحكم الذاتي، ضمن الحكم الروماني، وعرفت مدن هذا الاتحاد بطابعها الثقافي اليوناني. وهناك من ينظر للموقع، باعتباره المكان الذي شهد معجزة المسيح إطعام خمسة آلاف شخص، من خمسة أرغفة وسمكتين. رغم أن التقليد يحدد الطابغة موقعاً للمعجزة، ولكن سوسيتا الآن تئن من ضربات فؤوس الغرباء، حتى بدت إلهة الحظ، التي أخرجتها الفؤوس، حزينة، رغم أنها أرادت أن تخبرنا، أن الناس في مراحل الثورات التغييرية الكبرى، لا يتخلون عن معتقداتهم السابقة، بل يُكيفونها مع الواقع الجديد.