قصة المعتقل الذي صار اسمه 16، ستخرج إلى الضوء، فقد «أُفرج» بقرار قضائي عن كتاب الأستاذ الجامعي والمسؤول في التيار الوطني الحر الدكتور أدونيس العكره، بعدما أمضت القضية ثماني سنوات في أروقة المحاكم.القرار الذي صدر أخيراً، تحديداً في 8/3/2011 عن الغرفة التمييزية التاسعة الناظرة استئنافاً في دعاوى المطبوعات، والمؤلفة من الرئيس أنطوان ضاهر والمستشارين مادي مطران وجان ـــــ مارك عويس، قضى بالإجماع بـ«وقف التعقبات الجارية» بحق الدكتور العكره، وبـ«ردّ استئناف النيابة العامة في الأساس»، والإفراج عن النسخ المصادرة من الكتاب المذكور بتاريخ 11/2/2003 من جانب عناصر قسم المباحث الجنائية المركزي، وتسليمها الى المؤلف.
القرار يسجل انتصار القضاء لحرية التعبير، واحتراماً لنتاج مثقف لبناني. أما القصة التي انتهت أخيراً بالإفراج عن الكتاب، فبدأت قبل عام 2003، تاريخ مصادرة نسخ من الكتاب.
البداية تعود إلى أحداث 7 آب 2001، يوم تعرّض منتمون إلى التيار الوطني الحر وقادة فيه للاعتقال، بينهم كان العكره. أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، والأستاذ سابقاً في كلية القيادة والأركان (منذ عام 1980) سيصدر لاحقاً كتاب «عندما صار اسمي 16»، يروي فيه قصة الاعتقال في اليرزة والتحقيق معه، ثم الأيام العشرة التي قضاها في المستشفى. في الكتاب يلفت العكره إلى أنه كان، في 7 آب 2001، متوجّهاً إلى أنطلياس لحضور اجتماع الهيئة العامة في التيار الوطني الحر. أما «يوم صار اسمي 16» وفق ما جاء في الكتاب، فذلك جرى يوم الجمعة 10 آب 2001، ويورد العكره أن رأسه أُدخل في قماشة كبيرة، وقد علّقت قماشة على صدره، ويضيف إن أحد الجنود قال له «صار اسمك 16، كلّما سمعت هذا الرقم، أجِب: نعم، حاضر...».
الكتاب صادر عن دار الطليعة ـــــ بيروت في كانون الثاني 2003، ويبتعد كاتبه عن الأسلوب التأريخي الجاف، القصة كُتبت بأسلوب روائي سلس وممتع، ومن خلال ما عاشه العكره وزملاؤه يتابع القارئ محطة مهمة من حياة لبنان السياسية.
صودر الكتاب وعُدّ مسيئاً الى العلاقات بين الدولة اللبنانية ودولة شقيقة، كما يسيء الى السلطة السياسية والجيش والقضاء. أما العكره، فكان يبدي حزنه من التهمة الموجهة إليه، إذ تربطه بمؤسسة الجيش اللبناني علاقة قديمة، لذا لا يمكن أن يمسّ بسمعتها.
أمس، بعد صدور حكم القاضي ضاهر، قال العكره لـ «الأخبار» إنه كان ينتظر هذا الحكم «منذ الجلسة الأولى عام 2003»، وأضاف «آلمتني الفترة الطويلة التي مضت حتى ظهر الحق»، مشدداً، بل مذكراً بأن «الحق قيمة أخلاقية»، قائلاً «أنا ظُلمت لمدة ثماني سنوات، آمل أن يقتدي القضاء بالقرار الشجاع الصادر عن ضاهر».
إذاً سيصير الكتاب في المكتبات، من دون ملاحقة ولا مصادرة. صار الكتاب بمتناول من يريده، لكن ناشره لم يشهد هذا اليوم. توفي الناشر بشير الداعوق، فيما الكتاب مُصادر، ويُحاكَم في محكمة المطبوعات. يروي الدكتور العكره أن هذه القضية كانت تؤلم الداعوق، الذي كان شديد الحرص على متابعتها وينتظر الإفراج عن الكتاب وتبرئته، «لكنه في الوقت عينه كان شديد الحرص على استقلالية القضاء وعلى ضرورة احترامه»، ورغم أن الكتاب اتُّهم بالإساءة إلى علاقة لبنان بدولة شقيقة، هي سوريا، تلقى الداعوق عرضاً من دار نشر سورية تابعة لوزارة الثقافة، لكنه كان شديد الحرص على احترام كلمة القضاء اللبناني.



احتراماً للمثقفين ولحرية التعبير

منذ عام 2003، صودر كتاب «عندما صار اسمي 16»، ورغم القلق الذي أبداه متابعون له، المحطة الأبرز التي أثارت غضب المثقفين خصوصاً كانت مع صدور قرار عن محكمة المطبوعات في تشرين الثاني 2009 قضى بإدانة العكره، وبتغريمه مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية «لنيله من سمعة الجيش والقضاء». يومها رأى المتابعون أن الحكم قد يفتح الباب أمام وسيلة جديدة للحد من حرية التعبير، بعدما كانت شكاوى الفنانين والمثقفين تتركز فقط على أجهزة أمنية تمنع إنتاجاتهم، أو تسمح لمقص الرقيب بالعبث بها. أخيراً، تغيّر المشهد بالنسبة إلى متابعي قضية كتاب الدكتور العكره، رحبوا بالحكم القضائي الصادر عن الغرفة التمييزية التاسعة الناظرة استئنافاً في دعاوى المطبوعات برئاسة القاضي أنطوان ضاهر.