لسنوات طويلة، ومنذ عصور الشامان والطبيب الملك، يستمر الناس في ارتياد عيادات العلاج والأطباء والمراكز الصحية بمختلف أشكالها لتناول علاجات عامة قد تُخطئ وقد تُصيب. وفِي كل يوم، يبتلع ملايين الناس أدوية متعددة قد لا تُساعدهم في أغلب الأحيان. هناك فقط شخص واحد من كل أربعة أشخاص يستفيد من استعمال الأدوية العشرة الأكثر شهرة ومبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية.
يملأ الأطباء وصفاتهم (الروشيتا) بأدوية معتمدة وموافق عليها من قبل منظمات علمية عالمية بناء على أبحاث رصينة ومعمقة. لكنها أبحاث أجريت في منطقة معينة من العالم وعلى شريحة محددة من المتطوعات والمتطوعين دون الأخذ بعين الاعتبار الخصائص المتعددة والمميزة لعينات البحث. غياب تلك الخصائص قد تكون وراء عدم ملاءمة الدواء نفسه للعلة نفسها لدى مرضى من خلفيات مختلفة.
يشدد أبقراط على أن ما هو أهم من معرفة مرض الشخص، معرفة الشخص المصاب بالمرض. يُلمّح أبو الأطباء الى مفهوم personalized medicine  أو "الطب المشخصن"، في دعوة صريحة للطب البحثي والأطباء لاعتبار التنوع بين الأفراد والخصوصية الصحية والعرقية والاجتماعية لكل مريض قبل إعطاء العلاج. عام 1907، قام روبن اوتنبورغ بأول إنجاز في مجال "الطب المشخصن"، من خلال فحص ملاءمة الدم، والذي يسمح بتحديد خصائص المتبرع بالدم والمتلقي له، بناء على معطيات شخصية لمنع مضاعفات السيلان وغيرها. بعد ذلك بسبعين عاماً، بينت الدراسات الوراثية والجينية لماذا بعض الأشخاص يعانون من عوارض جانبية إضافية لبعض الأدوية مقارنة بأشخاص آخرين يستعملون الدواء نفسه ولا يختبرون أية مشكلة.
اليوم، يذهب الطب بقوة وثبات نحو العلاج "المفصّل" على قياس كل مرض وكل مريض. جاء هذا الخيار مع دراسات عن خصائص جينات كل فرد وتفاعلها مع حيثية الحالة المرضية وفعالية الدواء الموصوف. دخل العالم رسمياً في عصر طب الأفراد، أي "الطب المشخصن" أو "طب الدقة" والذي يُعرَّف على أنه ملاءمة العلاجات الطبية للخصائص الفردية والحاجات والرغبات لكل مريض. يرتكز ذلك إلى علم الجينوميكس (تطبيق علم الوراثة في الطب)، والصور المخبرية، والطب التكويني إلى جانب كل ما يحدث في تقنيات المعلوماتية ومتابعة المرضى عن بُعد.
حديثاً، وافقت منظمة الأغذية والدواء الأميركية على أربع أدوية لعلاج السرطان تعتمد على الخصائص الجينية (الموروثات) للأورام المستهدفة بتلك الأدوية. هناك أيضاً دواء جديد للتليف الكيسي (يصيب الرئة والبنكرياس بتليف مدمر) أيضاً يعتمد على التشوهات الجينية لهذا المرض. سيتوسع ذلك المجال حتماً كلما ازدادت المعرفة عن جينات كل فرد قبل وخلال الاعتلال والمرض، وسيصبح لكل شخص ما يشبه "الكود" الذي يُحدد تعرضه للمرض وأفضل دواء لعلاجه شخصياً.
أظهرت دراسة عن فعالية العلاجات الموصوفة أنها تتراوح بين ٢٥-٨٠ بالمئة بحسب الحالة المرضية، ٢٥ بالمئة للسرطان و٨٠ بالمئة للوجع. لطالما حار الأطباء فيما يصفون، ولطالما واجهوا معضلات عدم فعالية الدواء في بعض الأحيان، وازدياد العوارض الجانبية عند البعض الآخر، والخوف من عدم الالتزام والمتابعة بالدواء تبعاً لذلك. هناك مئات الآلاف من حالات الوفاة جراء تناول الأدوية بطرق وجرعات مختلفة أو من حساسية مفرطة. يعود الأطباء لإعطاء أدوية أخرى وأخرى وهكذا حتى يشعر المريض بالتحسن. هذا مع الاعتبار أن هذه الأدوية مدروسة ومشرّعة من قبل الهيئات الدولية المعنية، فكيف بتلك الزائفة وضحاياها الأكثر بكثير.
من طقوس استعمال الخبازى والسحر الأسود إلى الطب الحديث، إلى طب الدقة، سيُصبِح الطب شخصي وعلى الطلب، وسيتعاطى الأطباء مستقبلاً مع الشخص حامل المرض لا مع مرض الشخص، وسيعالجون أصل العلة لا عوارضها.
أخيراً تتحقق رغبات الناس بعلاجهم لا بعلاج أمراضهم. فرصة جدية لعودة الأطباء إلى الطب، مع إسقاط التمني على عودة السياسة إلى عهدها في تقدم البشر وتحقيق العدالة والرخاء.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية