"لماذا لا يتم نقاش حول الزواج كمؤسسة وكيفية تطويرها"، "لا يستطيع الزواج ان يستمر ويعيش كما نعرفه"، هذه عينة من النقاشات الجدية التي تلت المقالين السابقين، مرفقة بدعوة الى النظر فيما يحدث حول العالم لمؤسسة الزواج. من المؤكد ان الزواج كمفهوم، والعائلة كوحدة اجتماعية، يتحركان ضمن مسار متغير اجتماعي وثقافي وديني واقتصادي، مسار يتعرض لتحديات منظومة حقوق الانسان، والحقوق الانجابية والجنسية التي نلمس ونشاهد تجلياتها محلياً وعالمياً في السياسات والبرامج المختلفة.

يرتكز الزواج بين المرأة والرجل عموماً على الوفاء والإخلاص العاطفي والجنسي للشريك، وعلى رهبة المؤسسات الدينية والعائلية، قبل ان يواجه التموجات والهزات في الستينيات وبعدها على وقع الثورة الجنسية والحركة النسوية وحقوق الإنسان. 
في "موسم العز"، باكورة الرحابنة، يأتي صوت الوالد الراحل يوصي ابنته العروس آخر وَصيِّــــة: "...وْللمـَوْت بـِتـْضلــِّــي مـَعـُـــــو.... وغـَيـْرو ولا إنسـان..بالفقر بـِتـْكوني معو.. وبالعِزّ بـِتـْكـوني معـو....". وفي الأديان "..حتى يفرقكما الموت..". غادر العديد الزواج قبل الموت، وارتمى البعض في احضان إنسانٍ آخر، وهرب البعض من الفقر والنكد والتعنيف وعدم احترام قواعد الزواج الكلاسيكية. السؤال التالي، هل أضحت هذه الوصايا بائدة عند البعض او غير ملزمة؟ هل سبقت التحولات الاجتماعية والإقتصادية والحقوقية جمود مؤسسة الزواج وانغلاقها؟ 
ارتفعت معدلات الطلاق في لبنان والعالم بشكل مُنذرٍ ودال وغير مسبوق. وأظهرت دراسات من مختلف المجتمعات تشير الى ان بين ٣٠-٥٠ بالمآئة من الأفراد يرى ان الزواج مؤسسة فاشلة لا حاجة للناس بها. إشتعلت "حرب الورود", الفيلم الذي صوّر كيف يمكن للطلاق بين اوليڤيا روز وزوجها ان يكون مؤذياً وجارحاً و مدمراً الى أبعد الحدود. وعلى شاكلته تتعدد القصص حول ضحايا الطلاق من الزوجين الى الأولاد، وتتناقلها الألسن في الصالونات همساً وجهاراً، وفي الأعلام.
حملت بعض المجتمعات والدول مفهوم الزواج الى آفاق جديدة، إشكالية، وأحياناً غريبة على مجتمعات أخرى. أصبح هناك "تعدد الازواج أو العشاق"، بما لا يشبه بعض دول ومجتمعات "تعدد الزوجات"، حيث يختار الأشخاص "حُب" اكثر من شخص والعيش معا" كأسلوب حياة يبدو انه يتكاثر كما بينت دراسة من بولندا. في أمكنة عديدة في العالم تزداد شرعنة زواج المثليين والمتحولين وغيرهم من جندريات متنوعة. لم يعد الزواج يُعرّف برجل وإمرأة عند البعض، بل بالحب والرغبة والخيارات.
اصبح من الرائج القول "تزوجوا واذا ما مشي الحال بتطلقوا". لم تعد مقولة "الزيجة المارونية" المعيار عند كل العرسان، مع ان غالبيتهم يبدون بثيابهم الزاهية واثقين من إنجاح زواجهم حتى الموت.  بيد أنّ الطلاق بدأ يُداهم الزيجات أكثر وأكثر، وبدأت تتساقط ضحاياها بألم وغضب أكثر فأكثر. 
هنا بدأت تظهر دراسات تدعو الى أمرين أساسييّن: الأمر الأول يتعلق بالزواج كعقد وكمؤسسة والعمل على تطويره، والأمر الثاني يتعلق بإدارة الطلاق بشكل حضاري ومحترم. في الاول تناقش الدراسات انه في السنوات المقبلة ستصبح عقود الزواج مقيّدة بفترة زمنية قابلة للتجديد من سنتين لخمس سنوات أو للفسخ (يتداول ذلك في بعض النقاشات الثقافية في لبنان)، بحسب بنود العقد وتوقعات الزوجين. لاحقاً سيختلف الولاء العاطفي عن الولاء الجنسي  والولاء المؤسساتي، وسيختلف أيضاً عن ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي من "غَرَل" و "خيانات" حتى في السرير الواحد. قد تبدو انواع الزيجات في بعض مجتمعاتنا جزءاً من ذلك المسار.
اما في إدارة الطلاق فتوصي الدراسات بإيجاد آلية تعمل على احترام الشريكين لبعضهما البعض من خلال بنود واضحة تؤكد حقوقهما وحقوق الأطفال ورعايتهم المشتركة بكرامة وحضارة. يزداد الوعي، وتقوى الرغبة عند الذاهبين لإنهاء زواجهم الى ضرورة إيجاد حلول أقل ايلاماً وكلفة، واكثر حرصاً على الأولاد الذين سيتمتعوا بوجود الأهل وزياراتهم.
هنا دفعت نقاشات بعض القرّاء الى عرض ما يحدث ضمن مفهوم الزواج والدي يمس كل الأفراد أينما كانوا وكيفما انتموا. نقاشات قد تشكل حلول شخصية وقد تفيد أكثر مما تضر هذا اذا توسع النقاش مستقبلاً. قد تصل تلك المتغيرات لهذه البلاد او لا، وقد تروق للبعض وتستفز البعض الآخر ليبقى ذلك المسار المتغير قائماً، وليبقى للأنسان دائماً تلك الرغبة الشديدة بشريك أساسي رئيسي ما استطاع لذلك سبيلا. الموضوع بين ما انفطر عليه وما سُيّرَ اليه.

* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية