في الفيلم الشهير «موون سترّك» أو «شارد الذهن»، تسأل روز كاستوريني جوني كماريتي «لماذا يجري الرجل خلف المرأة؟»، فيجيبها بحسب القصة التوراتية عن أن الرجل يلحق ضلعه الأهم الذي خُلقت منه المرأة ليستعيده ويملأ به فراغ صدره، كما يلحقها أيضاً لأنه يشعر بعدم اكتماله بدونها.
تعاود سؤاله ثانية: «إذا كان هذا السبب، فلماذا إذاً يريد الرجل أكثر من امرأة واحدة؟». يجيبها «ربما لأنه يخاف من الموت».
يعكس الحوار هنا مفهوماً من مفاهيم الرغبة والدوافع الجنسية التي تنشد متعة العيش دفعاً لموت محتم. تلاصقت الرغبة الجنسية والمتعة دائماً مع أرجحية للرجل تلائم «مبتغاه» والسياق الذكوري الشائع. اشتغلت أدبيات ودراسات ومفاهيم على رغبة الرجال الجنسية الجامحة، مقارنة بتلك المروّضة الساكنة عند النساء. وفي هذا الإطار، يشير الباحث الشهير في جامعة شيكاغو، إدوارد لومن، الى أن الرجال يفكرون بالجنس مرات عدّة يومياً مقارنة بالنساء، ويشعرون بالإثارة بوتيرة أسرع ولا يترددون أحياناً في الاستجابة لها. يعرف الرجال عادة ما يثيرهم، ورغبتهم الجنسية بسيطة ومباشرة ومحددة في أغلب الأحيان. كما تحدّث آخرون عن رغبة الرجل كغريزة و«قَدَر» فطري هرموني لا مفر من الاستسلام له. يبقى الرجل مدفوعاً بالرغبة الجنسية لإمرار مخزونه الوراثي وللتأكيد دوماً على ذلك، فتراه واثقاً ممَن يرغب في مطاردتها أو إقامة علاقة جنسية معها. بالمقابل كان شائعاً ــ ولا يزال ــ أن رغبة المرأة خليط من مركبات عدة غريزية ومكتسبة لا تتفلت من عقالها مطلقاً إلا ضمن معطيات محددة ومدروسة، كالانجذاب العاطفي ومستقبل العلاقة ونظرة المجتمع.
في عصور غابرة، كان مجرد أن يغادر الرجال كهوفهم في مجموعات صيد لتأمين القوت، تاركين خلفهم نساءهم وأطفالهم، تبدأ النساء بالتفكير بما سيفعلن في حال عدم عودة أزواجهن، ويتحضّرن لعلاقة أو ارتباط مع رجال آخرين. لم تكن الدوافع هنا الرغبة الجنسية أو الخيانة، كما ظنّ البعض، بل حسابات المرأة للأمان والدعم والحماية لها ولأطفالها مع رجل جديد. شكّل هذا الواقع أساساً لدراسات علوم الحياة الاجتماعية (السوسيوبيولوجي) لفهم رغبة المرأة الجنسية عامة وتشكلها تجاه الرجل خاصةً.
تلعب الخصائص المجتمعية والثقافية والتربوية دوراً في جعل الرغبة الجنسية عند المرأة ذات طبيعة غير ثابتة. تتأثر طبيعة الرغبة والتعبير عنها بمواقف المرأة من الجنس وفهمها لطبيعة العلاقة الجنسية ودور تلك العلاقة في حياتها العاطفية والاجتماعية. كما تتأثر بـ«العرض» والمطاردة والملاحقة التي يقوم بها الرجل للمرأة على طريقة عدد من الكائنات الأخرى (حيث يتبارز الذكور بالرقص أو الطيران أمام أنثى واحدة لتختار واحداً منهم). أطلقت هذه المقدمات الضرورية لحراك الرغبة الجنسية للمرأة العنان لمواد وأساطير القصص الرومانسية، راسمة لرغبة المرأة الجنسية مساراً يختلف عن مسارها عند الرجل. مساران مختلفان بحيث لا يفهم الرجل صدود المرأة لتعبيراته الرومانسية بالجنس، وتستهجن المرأة استخفاف الرجل بطقوس الرومانسية وباقات الورود وروايات الغرام.
وللدليل أكثر على حيوية الرغبة الجنسية عند المرأة وعدم ثباتها مقارنة بالرجل، أظهرت أبحاث متقدمة في مراكز مختلفة أن الرغبة تكون واضحة ومباشرة أكثر عند المثليات نظراً إلى إمكانية الانجذاب الطبيعي غير المتكلف بين الإناث. كما تبين أن النساء اللواتي عبرن عن ازدياد الرغبة والإثارة في العلاقات المختلفة الجنس، كنّ يشعرن حقيقة وفعلياً بذلك الازدياد بالنسبة إلى كل أنواع العلاقات المثلية وغير المثلية عندما طُلب إليهن التعليق والإجابة.
لم تعد مقولة أن رغبة الرجل أقوى من رغبة المرأة وأنه سريع الاستثارة والاستجابة للجنس أكثر من المرأة جدية وعلمية. انزلق العديد من المسائل والمفاهيم في أخاديد تلك المقولة المركبة على موجات ذكوريّة مجتمعية. جاء البرهان المفاجأة من أبحاث الأنثروبولوجيا وفيزيولوجيا الصحة الجنسية والدماغ حيث تبين أن رغبة المرأة الجنسية تضاهي مثيلتها عند الرجل وتتفوق عليها أغلب الأحيان. لكن لا يسري لها مفعول خوفاً من الأقاويل والتأويلات والتنميط الذي قد يلحق بها. ليس الاختلاف هنا في طبيعة الرغبة ووجودها، بل في إمكانية التعبير عنها. 
أغلب الأحيان لا تبادر المرأة حتى مع زوجها خوفاً من «نعوت» لا تقوى على تحملها شخصياً واجتماعياً. يروق ذلك المجتمعات التي تريد إبقاء جنسانية المرأة تحت السيطرة كشكل من أشكال القمع السياسي. يؤدي ذلك إلى كبت رغبتها والتحكم بها إلى درجة قد تؤدي الى تدني تلك الرغبة لتصبح السبب الأول للاضطرابات الجنسية النسائية. لا عجب عندها أن نقرأ في مختلف الدراسات عن معدلات انتشار عالمية للاضطرابات الجنسية عند المرأة تصل الى تسعين بالمئة، يأتي في مقدمها تدني الرغبة الجنسية ملامساً حدود الثلاثين بالمئة (وقد يكون أكثر من ذلك).
القمع واحد والكبت واحد، لكن عوارضه متعددة تصيب مكونات المرأة المختلفة ومنها مكون الصحة الجنسية. القمع يؤدي الى ثورة. حدثت ثورة في أواخر الستينيات، وكان اسمها الثورة الجنسية. والأرجح أنها لا تزال مستمرة.

* اختصاصي جراحة نسائية وتوليد وصحّة جنسية