على رغم أن دوافع النظام السعودي إلى استعادة العلاقات الثنائية مع إيران، تتّصل بمعادلات أبعد مدى ممّا يرتبط بكيان العدو، إلّا أن رسائلها ومؤشّراتها أثارت مخاوف على المستويَين الرسمي والإعلامي، ولدى الخبراء الأساسيين على الساحة الإسرائيلية، على رغم أن تداعيات هذا المتغيّر الإقليمي تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تتّضح تماماً. على أن ثمّة حدّاً أدنى مُرجَّحاً في إسرائيل، مرتبطاً باستبعاد تموضع السعودية كرأس حربة إلى جانب العدو وأمامه، في مواجهة إيران مباشرة؛ ولذا، من الطبيعي أن يترك الحدث أصداء واسعة في الداخل الإسرائيلي. لكن ممّا يسهم أيضاً في تعزيز تلك الأصداء، أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كان أعلن، بشكل رسمي، أن أولوية تل أبيب هي تطبيع علاقاتها مع الرياض كجزء من استراتيجية أوسع ضدّ طهران، إضافة إلى عامل الصراع الداخلي المحتدم، والذي أسهم في بلورة العديد من ردود الفعل على الاتفاق، في سياق توظيفه ضمن السجالات الداخلية.وعلى رغم ذلك الجدل الإسرائيلي، إلّا أنه لا يصحّ الجزم بكون الاتفاق السعودي - الإيراني، مؤشّراً حاسماً إلى تراجع المملكة عن نهجها «التطبيعي» مع العدو، أو حلّاً نهائياً للصراع بينها وبين إيران وحلفائها في المنطقة. فما جرى ليس إلّا محطّة في سياق إدارة الصراع المستمرّ، فرضتها مروحة من المتغيّرات الدولية والإقليمية، المرتكزة بشكل رئيس على تراجع هيمنة الولايات المتحدة وتحوّل أولوياتها باتجاه روسيا والصين، على حساب خياراتها في منطقة الشرق الأوسط. وأنتج هذا التراجع، إلى جانب فشل المشاريع والمخطّطات التي تورّطت فيها السعودية في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن، معادلات غير مسبوقة في شبه الجزيرة العربية والمنطقة، وعزّز مخاوف النظام السعودي على وجوده وأمنه، خصوصاً في ظلّ الانكفاء العملياتي الأميركي عن الانجرار إلى مواجهة مع إيران لكبح تقدّم برنامجها النووي، على رغم ملامسة الأخيرة الخطّ الأحمر الأخير في مسار التخصيب. أمّا بالنسبة لنتائج الاتفاق، فهي مرتبطة بمسار تطبيقه، ومدى انعكاسه على الساحات الإقليمية، وما إنْ كان النظام السعودي أصبح أكثر نضوجاً في قراءة موازين القوى والتعامل معها.
أجمعت الحكومتان الإسرائيليتان، الحالية والسابقة، من خلال رموزهما، على أن الإعلان الإيراني - السعودي يمثّل فشلاً للسياسة الإسرائيلية، إلّا أنهما تبادلتا الاتهامات في شأن تحمّل المسؤولية عنه. إذ اعتبر المقرّبون من نتنياهو أن التقارب بين الرياض وطهران بدأ في عهد رئيسَي الحكومة السابقَين، يائير لابيد ونفتالي بينيت، في حين اتّهم الأخيران، رئيس الوزراء الحالي، بأنه منهمك بمبادرات الانقلاب على النظام إلى حدّ أنه توقّف عن تكريس وقت واهتمام لقضايا استراتيجية، وعلى رأسها وقف المشروع النووي الإيراني. وكانت التقارير الإسرائيلية نقلت عن مصدر سياسي رفيع، فور توقيع الاتفاق، قوله إن «السعوديين يشعرون بأن هناك ضعفاً أميركياً وإسرائيلياً، ولذلك توجّهوا إلى آفاق أخرى».
أجمعت الحكومتان الإسرائيليتان، الحالية والسابقة، على أن الإعلان الإيراني - السعودي يمثّل فشلاً للسياسة الإسرائيلية


كذلك، تَحوّل الاتفاق إلى قضية محورية للبحث والتقدير من قِبل كبار الخبراء الذين سبق وأن تولّوا مناصب مهمّة في الجسمَين السياسي والأمني. إذ اعتبر رئيس «مجلس الأمن القومي» السابق، العميد يعقوب ناغل، أن ما جرى يمثّل «إصبعاً مزدوجة في العين الأميركية... أولاً من قِبل إيران ضدّ الولايات المتحدة، لكن انتبهوا واعرفوا مَن هو العدو الرئيس لأميركا، إنه الصين». ورفض ناغل الاتّهامات المتبادلة بين الحكومتَين الحالية والسابقة، معتبراً أن الطرفَين «يستحقّان الثناء ومذنبان» في آن معاً، داعياً إلى عدم إدخال هذه القضية في السجالات السياسية الداخلية.
من جهته، رأى رئيس «مجلس الأمن القومي» السابق، اللواء غيورا أيلاند، أن «إسرائيل تلقّت صفعة من السعوديين، على رغم أن هذا التغيير ليس مسؤوليتنا بالضبط»، موضحاً أن ما جرى هو «لعبة بين عظماء: إيران والسعودية، ومن فوقهما الصين وروسيا والولايات المتحدة»، مستنتجاً أن «ما يحدث هنا، إلى حدّ ما، طبيعي». وجزم أيلاند أن «السعودية لن تنخرط إلى جانب إسرائيل ضدّ إيران مطلقاً»، مُرجعاً ذلك إلى أن «طهران تَعرض على الرياض شيئين مهمَّين بالنسبة لها، ولا يستطيع الآخرون عرضهما، وهما عدم التدخّل في شؤونها والحفاظ على استقرارها، والهدوء في الخليج الفارسي واستمرار التدفّق (النفط) بانتظام»، في ما ينبئ بوجود قناعة إسرائيلية بأن إيران تملك أوراق ضغط جدّية ضدّ السعودية في المحطات الحرجة. ويتقاطع هذا الحديث مع العديد من التقارير الإسرائيلية التي توقّفت ملياً عند حادثة «أرامكو» عام 2019، عندما تمّ استهداف منشآت النفط في حينه، ولم تبادر الولايات المتحدة في ظلّ إدارة دونالد ترامب إلى الردّ على إيران، كما كانت تأمل السعودية. أيضاً، ركّزت التقارير على عدم تمتّع النظام السعودي بمظلّة أميركية تسمح له بالشعور بالأمن في مواجهة التهديد الذي تشكّله إيران وحلفاؤها في المنطقة، بوصف ذلك من أهمّ دوافعه للاقتراب من طهران.
في السياق نفسه، رأى رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس يدلين، أن الإنجاز الصيني يؤكد تراجع مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في حين أنه منذ زمن غير بعيد كان يمكن دفْع مسارات سياسية جوهرية في المنطقة، فقط برعايتها، فيما مثّلت هي الركيزة الأمنية النوعية لحلفائها، وعلى رأسهم السعودية. واعتبر يدلين أنه على رغم الاتفاق بين طهران والرياض، إلّا أن العداء سيستمرّ بينهما أيديولوجياً واستراتيجياً، مشدّداً على أنه «إذا ما تمّ تنفيذ الاتفاق، فلا ينبغي أن يكون على حساب التقارب السعودي - الإسرائيلي، كما هو حاصل مع الإمارات». وختم بالقول إن ما ينبغي أن يُقلق إسرائيل أكثر من الاتفاق، هو تخلخل السطوة الأميركية في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الأهداف العليا التي حدَّدها نتنياهو، خلال أداء اليمين الدستورية لحكومته، والمتمثّلة في وقف البرنامج النووي الإيراني، وضمّ السعودية إلى «اتفاقيات أبراهام»، مرتبطة بشراكة عميقة، سياسية وأمنية وعملانية، بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبمقابِل أميركي للسعودية.