تتفاقم الأزمة السياسية في الكويت، إلى الحدّ الذي دفع بعض الكويتيين إلى الإعراب عن مخاوفهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أن تتحوّل بلادهم إلى واحدة من دول الشرق الأوسط التي تشهد أزمات سياسية تستعصي على الحلّ، مع فارق أن النفط يقيها المصير الاقتصادي الذي تعاني منه تلك الدول. ودَفع هذا الواقع بوليّ العهد، مشعل الأحمد الصباح، الحاكم الفعلي للدولة، إلى التحرّك لكسر الانسداد السياسي المزمن في العلاقة بين السلطتَين التنفيذية والتشريعية، مُعلناً قراره حلّ «مجلس الأمة»، على أن يُصدِر مرسوماً بالحلّ والدعوة إلى انتخابات جديدة خلال الأشهر المقبلة. ويأتي ذلك بعدما تحوّلت الأزمة إلى اعتصامات داخل مجلس النواب وفي الدواوين، احتجاجاً على عدم تشكيل حكومة بديلة لحكومة صباح الخالد المستقيلة منذ أكثر من ثمانين يوماً، وتعطيل جلسات البرلمان الذي أصبح في حُكم الميّت، على رغم أنه لم يمرّ سوى سنة ونصف سنة على انتخابه
على رغم الارتياح الذي قابلت به المعارضة الكويتية إعلان وليّ العهد، مشعل الأحمد الصباح، باسْم الأمير نواف الأحمد، الغائب عن الواجهة بسبب المرض، عن أنه سيحلّ «مجلس الأمّة» ويدعو إلى انتخابات جديدة في الأشهر المقبلة، إلّا أن أحداً في الكويت لا يتوهّم بأن مثل هذا الإجراء وحده سيكون كافياً لوضع الأزمة السياسية المزمنة على طريق الحلّ. صحيح أن الصورة التي أصبحت عليها الكويت بعد خطاب وليّ العهد، ولّدت انطباعاً بأن المعارضة التي تحتلّ حيّزاً كبيراً من البرلمان، حقّقت مكسباً ما، بدليل أنها سارعت إلى فضّ الاعتصامات والتهليل للقرار، لا سيما وأن بعض المراقبين قرؤوا تأكيد مشعل أن القيادة لن تتدخّل في اختيار الشعب لممثّليه ولا في اختيار المجلس لرئيسه ولجانه، على أنه إشارة إلى استعداده للانفتاح على احتمال تغيير رئيس البرلمان، مرزوق الغانم، الذي ظلّ يحظى بدعم القيادة السياسية طوال سنوات شغْله هذا المنصب، إذا أفضت الانتخابات إلى نتيجة تُحتّم ذلك. لكن هذه القراءة قد تكون سابقة لأوانها؛ بالنظر إلى أن إبعاد الغانم، وعدم تكليف صباح الخالد بتشكيل الحكومة المقبلة، وهما من أبرز مطالب المعارضة، لن يحلّا المشكلة، فالأزمة أو المواجهة الحقيقية تدور بين وليّ العهد والمعارضة، ويمثّل الغانم والخالد خطّ دفاع للقيادة السياسية فيها، وبالتالي فإن الصراع المباشر بين القيادة والمعارضة سيؤدي إلى تأزّم أكبر بكثير، كما حدث قبل سنوات، حين تحدّت الأخيرة الأمير الراحل، صباح الأحمد، مباشرة.
إلّا أنه من غير المرجّح أن تنتهي الانتخابات المقبلة إلى نصر كاسح للمعارضة، يمكّنها من الهيمنة بالكامل على «مجلس الأمة»، لأسباب كثيرة بعضها في صُلب تكوين المجلس الذي يُعتبر وزراء الحكومة أعضاء غير منتخَبين فيه حُكماً، وبعضها الآخر يتّصل بالتنوّع الذي يميّز المشهد الكويتي بين قبائل وحضر، وشيعة وسنة. ومع ذلك، فإن المعارضة قد تُحقّق تقدّماً إضافياً في الانتخابات المقبلة، نتيجة امتلاكها ناصية الشارع، كما فعلت في معظم الانتخابات التي كانت تُجرى بعد كلّ حلّ للمجلس أو في الموعد الدستوري، وهي عملية تَكرّرت كثيراً في السنوات الـ 11 الماضية، أي منذ انطلاق «الربيع العربي» الذي تأثّرت به الكويت بشكل كبير، وما زالت تداعياته مستمرّة عليها حتى الآن. ومنذ ما قبل صدور مرسوم الحلّ، انطلقت الاستعدادات للانتخابات، وخاصة بين القبائل التي تُجري عادة ما يسمى «تشاوريات»، وهي ممارسة تشبه الانتخابات الفرعية غير الرسمية، تفضي إلى اختيار مرشّحيها في انتخابات «مجلس الأمة»، في ديناميّة غير قانونية، إلا أن قدرة السلطات على منعها محدودة جداً، علماً أنها تُعتبر إحدى الأدوات الرئيسية لسيطرة القبائل على المجلس.
لا أحد في الكويت يتوهّم بأن حلّ «مجلس الأمة» وحده سيكون كافياً لوضع الأزمة على طريق الحلّ


وإثر استقالة حكومة صباح الخالد، وهي الرابعة التي يشكّلها الأخير في عامين ونصف العام، في الخامس من نيسان الماضي، وعدم قيام القيادة بتشكيل حكومة جديدة، صار المجلس في حُكم المعطّل، ما أثار استياء المعارضة التي دخل نحو 17 من نوابها، يمثّلون ثلُث عدد الأعضاء الـ50 المنتخبين، في اعتصام مفتوح، لم يفضّوه إلّا بعد خطاب وليّ العهد، إثر امتداد الاعتصام إلى الدواوين، وتصاعد الأصوات التي ترفض الشلل السياسي. ولذا، فإن قرار الحلّ يكسر عملياً هذا الجمود، لا سيما مع التلميحات الآنفة الذكر إلى احتمال تغيير الرئيسَين، خاصة أن طول مدّة التعطيل الذي يُعتبر الأوّل من نوعه في الكويت، أثار مخاوف من إمكان لجوء القيادة السياسية إلى حلّ غير دستوري للمجلس، بمعنى تعليق بعض مواد الدستور لتعطيل الحياة البرلمانية.
وبعدما أوحت الاعتصامات والبيانات الرافضة للواقع القائم بأن نواب المعارضة انخرطوا في تحدٍّ غير مباشر لمشعل بحُكم أنه هو الأمير الفعلي للكويت، والمتّهم بأنه يقوم بالتعطيل بهدف حماية مرزوق الغانم وصباح الخالد، شعر وليّ العهد بأنه يجب أن يتّخذ قراراً يقطع هذه الشكوك، ويقول من خلاله إنه لا يحمي أيّ طرف من الأطراف في السلطة. أمّا لماذا لم يكن الحلّ فورياً وتتمّ الدعوة إلى انتخابات بعد ستين يوماً منه، كما جرت العادة، وأُرجئ الحلّ إلى الأشهر المقبلة، ما يعني عملياً أكثر من ثلاثة أشهر، فإن ذلك قُرئ في الشارع الكويتي على أنه إتاحة الفرصة للأطراف لإعداد نفسها للانتخابات المقبلة، وربّما التواصل مع المعارضة لمحاولة إعداد ترتيبات تسبق الانتخابات، بحيث تحصل الأخيرة بعد اتفاق بين الطرفَين على تنظيم العلاقة في المرحلة المقبلة، وأيضاً لتجنّب إقامة الحملة الانتخابية في حرّ الصيف، حيث يغادر الكثير من الكويتيين لقضاء هذه الفترة في الخارج، علماً أن وليّ العهد نفسه وضع الأمر في سياق «إعداد الترتيبات القانونية اللازمة» للانتخابات.
وفي حال لم تحلّ الانتخابات القادمة المشكلة المستعصية بين السلطتَين التشريعية والتنفيذية، وأعادت نتيجتها أجواء التأزيم ذاتها، فإن مشعل كان واضحاً بأنه «ستكون لنا إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث»، في ما اعتُبر تلميحاً إلى حلّ غير دستوري لمجلس الأمة، وذلك على رغم تعهّده «بأننا لن نحيد عن الدستور ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه ولا حتى المساس به». وإذا كانت حيوية «مجلس الأمة» في الكويت، والذي يُنتخب أعضاؤه الخمسون مباشرة من الشعب، تُسبِّب أزمات داخلية دورية، مردّها في الحقيقة مطالبة النواب بمشاركة أكبر في القرار السياسي والقرارات التنموية، فإن «الإزعاج» الذي يمثّله المجلس صار يتعدّى الحدود الكويتية إلى كلّ أنحاء الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، اللتين لا تعرفان الانتخابات، ولا تسمحان بأيّ صوت اعتراضي في الداخل، وتخشيان من تطلُّع شعبَيهما إلى محاكاة التجربة البرلمانية الكويتية، خاصة وأن قطر أجرت انتخابات، وإن كانت لا تزال بعيدة عن الوصول إلى مستوى الحياة السياسية الكويتية العريقة. وفي الآونة الأخيرة، صدر كلام عن أكثر من معارض سعودي، يفيد بـ«انزعاج» وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، من «مجلس الأمة»؛ إذ تحدّث المغرّد الشهير، «مجتهد»، عن وجود خطّة لدى ابن سلمان لضرب هذا المجلس، تقوم على «تحميله مسؤولية تأخير القرارات المهمّة وخطط التنمية ومسؤولية الفساد والفوضى في مؤسسات الدولة، كما على صناعة قناعة بأن مشكلات البلد لن تُحلّ إلّا بالتخلص من البرلمان». كما يمكن رصد حملة مستمرّة للذباب الإلكتروني السعودي ضدّ البرلمان الكويتي، لا ترى حلّاً للأزمة إلا بالتخلّص منه.